بقلم : سليمان جودة
كانوا ثلاثة عادوا من الخليج بعد أن أسسوا جريدة «الاتحاد» الإماراتية، فجعلوها واحدة من الصحف المقروءة فى أبوظبى وخارجها!.. وكان الثلاثة من بين أبناء مؤسسة أخبار اليوم التى امتازت بشيئين منذ أطلقها مصطفى وعلى أمين منتصف القرن العشرين!.
كان الشىء الأول الذى تميزت به صحافة أخبار اليوم أنها عاشت منصة لإطلاق النجوم فى عالم الصحافة.. وكان الشىء الثانى أنها صحافة عاشت قريبة من الناس!.. وكان مصطفى وعلى أمين من ملوك الصحافة الشعبية، وكلاهما كان يمتلك قدرة ساحرة على الوصول إلى عقل القارئ ووجدانه!.
وتزامل الثلاثى مصطفى شردى وجمال بدوى وعباس الطرابيلى فى تأسيس صحيفة الوفد بمثل ما تزاملوا فى تأسيس الاتحاد.. وعندما انضم إليهم سعيد عبدالخالق فى مرحلة لاحقة، فإنهم صنعوا من الوفد صحيفة فريدة، واقتربوا بتوزيعها من المليون نسخة أيام أحداث سليمان خاطر!.
أضافوا خبرة اكتسبوها لسنوات فى الخليج، إلى مذاق مصرى كان سعيد عبد الخالق يجيد صناعته، فكنت ترى قراء الوفد ينتظرون وصولها ليلًا إلى باعة الصحف ويتخطفونها قبل أن تنفد الأعداد المطبوعة، وكان ذلك دليلًا متجددًا على أن القارئ إذا أحس بصدق الصحيفة فى نقل همومه إلى صانع القرار فإنه يبادلها صدقًا بصدق!.
كان هؤلاء الأربعة الكبار قد شغلوا البلد بصحافة جديدة كانوا يقدمونها، وكانوا محل غيرة شديدة من الصحافة القومية التى تملكها الحكومة، ودارت بين الطرفين معارك لم تكن تنتهى، وكان محور المعركة هو القارئ الذى كان يجد فى الوفد صحافة طازجة تخاطبه بما يحب ويرغب!.
وكان كل واحد من الأربعة يستحوذ على لون صحفى يميزه، فشردى هو بطل الصحافة الحراقة، وبدوى هو فارس الصحافة التى تمزج الواقع بالتاريخ، والطرابيلى هو أستاذ الصحافة التى لا تجد نفسها إلا فى الانغماس بين مشاغل الناس، وعبدالخالق هو خبير صناعة الخبر الذى يستولى على اهتمام القراء!.
وعندما رحل شردى وبدوى وعبدالخالق، فإن الطرابيلى عاش بعدهم حارسًا على القيم الصحفية التى أسسوا لها، وفيًا لذكرى زملاء المهنة والمشوار، حريصًا على تقاليد المهنة التى لا تحيا صحافة بغيرها.. عاش يمنح القارئ فى كل صباح شيئًا من تجارب مسيرة طالت فى الحياة إلى ما فوق العقود الثمانية، وامتدت فى الصحافة إلى ما يقترب من ستين سنة!.
يرحم الله الرجل ويرحمهم بقدر ما أخلصوا وقدموا!.