بقلم - ناصر الظاهري
- وجه آخر من وجوه الخير يودعنا في عام، كأنه من سنين الجمر، وأعوام الرماد، فقد تتالى الطيبون الأخيار، والكبار الأبرار، ذاكرة الأمكنة، وعطور البركات، «مريم بنت حمدان» زفتها ملائكتها نحو نعيم الجنان، وآنس وحشتها دعاء المتعففين، الصابرين الشاكرين، وجعل صبرها، وفعلها وخيرها وبرها وبياض يمناها، وتقوى محياها في أثقال ميزان حسناتها.. مكتوب علينا في هذا العام أن نبكي وبحرقة الناس الأولين.. والطيبين، وذوي القلوب الخضراء الباردة كسحابة مرسلة بالحسنات، والذين كانوا بيننا كنسمة فجر مَكّي أو يثربي من ذاك الوقت الجميل، والذي كسوا به حياتنا، وعطّروها بمسك الدعوات.
- هناك سنتان دائماً زائدتان في عمر الكثير منا، إما بسبب الشرهة أيام كانت الشرهة 800 درهم سنوياً، أو بسبب التسجيل في جيش «تي. أو. أس»، وإما بسبب «الليسن»، لكن مع ثقل سنوات العمر، وتراكض الأعوام إلى الأمام، نتمنى الآن أن نحذفهما من سجلاتنا التي لم تكن نظيفة على الدوام، وبعضنا من المتشائمين ترجفه تلك السنتان، وتجده يعرض أسنانه للفحص، والتثمين، والتسنين عند أكثر من دكتور، ليثبت أنه أحق بهاتين السنتين من «زائر الجميع»، بحيث يشعرونك هؤلاء دائماً أن هناك ثقلاً على أكتافهم، وأن كثيراً منهم سيموت ناقص عمر!
- هناك سيارتان لا يمكنني أن أمشي وراءهما، وإن اضطررت، كنت في ضيق وتبرم، مع كثير من الأدعية التي تحوّط النفس والمركبة، وأن يمر هذا النهار بسلام، سيارة الـ«بيك آب» المكشوفة، والتي عادة ما تحمل أشياء كثيرة مدببة، وغير ذات جدوى، ولا ضرورة لها إلا الوزن والشحن الزائد، وتلك الأذية التي يمكن أن تلحق بسيارات الآخرين، نتيجة التوقف الفجائي لها، وسيارة «اللكزس» الصالون الموديل القديم التي كثيراً ما تمر من جانب خاصرتك دون أن تدري، أو تتجاوزك بسرعة لا يمكنك أن تقدّرها، ولا يمكن أن تجاريها، خاصة إذا ما شاهدت على جوانبها الطعج والكشط، وصبغاً من قبل كراج غير ماهر، مع عدم مبالاة من سائقها، أو اكتراث يبدو منه تجاهك!
- يعني مرات.. تشوف العجب في الشوارع، امرأة تحمل في كل يد هاتفاً، وحقيبة معلقة على الكتف، وتعابل شعرها المتطاير، وتريد أن تعبر الطريق في غير المكان المخصص للمشاة، وتعال أنت، وخلها ترفع رأسها، لا خلي السيارات تقدر ظروفها، وتقدر أنها لاهية في المسجات، ويداها مكبلتان، الخوف عليها ليس منا معشر الرجال، فنحن أكثر صبراً، خاصة وأن العابرة امرأة، يمكننا أن نفصّل لها ذاك الحين ثوباً وكندورة، ولكن الخوف الحقيقي عليها من بنات جنسها، المستعجلات، المتأففات، الضجرات، الغيورات، وأقل شرهن، وشررهن تجاه تلك العابرة بهاتفين مسبّة لا تحمد عقباها، وقرض، ودعاء غير مستجاب، وعيون غير متسامحة، حتى تكاد أن تتكود في الطريق أو يفرط بها ذلك الكعب فجأة، فتلتوي رجلها، ويكسر أحد هواتفها!