بدأت أنظار الباحثين وأطباء العناية المركزة تتجه إلى العلاقة بين البدانة وعلاقتها بنسبة الوفيات فى كوفيد ١٩، ووجدت دراسات كثيرة علاقة بين السمنة وشدة وشراسة الكوفيد، وهذا ملخص آخر تلك الدراسات، فمثلاً عندما ضربت الموجة الأولى من فيروس كورونا ولاية فيرمونت فى الربيع، جاء المرضى من جميع أنحاء الولاية إلى وحدة العناية المركزة فى المركز الطبى بجامعة فيرمونت، هناك، سرعان ما لاحظت طبيبة الرعاية الحرجة مارى إلين أنتكوفياك نمطاً مأساوياً: وصل المرضى إلى المستشفى بعد بضعة أيام من أعراض الإنفلونزا والحمى، لقد ثبتت إصابتهم بـCOVID-19.
اشتد ضيق التنفس بشكل متزايد، انتهى الأمر بالعديد من أجهزة التنفس الصناعى، وسقط ضحايا يشتركون جميعاً فى سمة إضافية واحدة، إنها السمنة، تقول أنتكوفياك: «كان هؤلاء الأشخاص يتمتعون بصحة جيدة وكان عامل الخطر الرئيسى للإصابة بهذا المرض هو السمنة».
ومنذ أن بدأ الوباء، أفادت العشرات من الدراسات أن العديد من مرضى COVID-19 الأكثر مرضاً هم من المصابين بالسمنة، فى الأسابيع الأخيرة، أصبح هذا الارتباط أكثر تركيزاً، حيث عزّزت الدراسات السكانية الجديدة الكبيرة الارتباط وأظهرت أنه حتى الأشخاص الذين يعانون زيادة الوزن فقط هم أكثر عرضة للخطر، على سبيل المثال، فى التحليل الذى نُشر فى 26 أغسطس فى Obesity Reviews، قام فريق دولى من الباحثين بتجميع البيانات من عشرات الأوراق التى تمت مراجعتها التى التقطت 399000 مريض، ووجدوا أن الأشخاص الذين يعانون السمنة الذين أصيبوا بـSARS-CoV-2 كانوا أكثر عرضة بنسبة 113٪ من الأشخاص ذوى الوزن الصحى للهبوط فى المستشفى، و74٪ أكثر عرضة للدخول إلى وحدة العناية المركزة، و48٪ أكثر عرضة للوفاة.
تقول آن ديكسون، الطبيبة التى تدرس السمنة وأمراض الرئة فى جامعة فيرمونت: «لم نفهم مبكراً ما عوامل الخطر الرئيسية للسمنة.. لم ندرك حتى وقت قريب التأثير المدمر للسمنة، لا سيما لدى الشباب»، قد يكون هذا أحد أسباب التأثير المدمر لـCOVID-19 فى الولايات المتحدة، حيث يعانى 40٪ من البالغين من السمنة، الأشخاص المصابون بالسمنة أكثر عرضة للإصابة بأمراض أخرى من عوامل الخطر المستقلة لـCOVID-19، بما فى ذلك أمراض القلب وأمراض الرئة والسكرى أكثر من الأشخاص ذوى الوزن الطبيعى، هم أيضاً عرضة لمتلازمة التمثيل الغذائى، حيث تكون مستويات السكر فى الدم أو مستويات الدهون أو كلتاهما غير صحية وقد يرتفع ضغط الدم، وجدت دراسة حديثة من جامعة تولين على 287 مريضاً من COVID-19 فى المستشفى أن متلازمة التمثيل الغذائى نفسها تزيد بشكل كبير من مخاطر دخول وحدة العناية المركزة والتهوية والموت، ولكن «يظل مؤشر كتلة الجسم فى حد ذاته عامل خطر قوياً ومستقلاً» بالنسبة لـCOVID-19 الشديد، وفقاً للعديد من الدراسات التى تم تعديلها حسب العمر والجنس والطبقة الاجتماعية ومرض السكرى وأمراض القلب، كما يقول Naveed Sattar، خبير فى أمراض القلب والأوعية الدموية فى جامعة جلاسجو، وجدت أكبر دراسة وصفية حتى الآن لمرضى COVID-19 فى الولايات المتحدة فى المستشفيات، التى نشرها باحثو Genentech الشهر الماضى، أن 77٪ من حوالى 17000 مريض فى المستشفى من مرضى COVID-19 يعانون زيادة الوزن (29٪) أو السمنة (48٪).
(تعرف مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الوزن الزائد على أنه مؤشر كتلة الجسم من 25 إلى 29.9 كيلوجرام لكل متر مربع، والسمنة على أنها 30 أو أكثر)، سجلت دراسة أخرى معدل دخول COVID-19 إلى المستشفيات بين أكثر من 334000 شخص فى إنجلترا، نُشر الشهر الماضى فى Proceedings of the National Academy of Sciences، ووجد أنه على الرغم من أن المعدل بلغ ذروته لدى الأشخاص الذين لديهم مؤشر كتلة الجسم 35 أو أكثر، إلا أنه بدأ فى الارتفاع بمجرد أن يميل شخص ما إلى فئة الوزن الزائد، ومن بين 334000 شخص فى إنجلترا هذا الربيع، زادت فرص دخولهم المستشفى مع COVID-19 بشكل مطرد مع مؤشر كتلة الجسم (BMI)، تبدأ الأمراض الجسدية التى تجعل الأشخاص الذين يعانون من السمنة عرضة للإصابة بـCOVID-19 بما يمكن أن نطلق عليه التأثير الميكانيكى، فالدهون الموجودة فى البطن تندفع لأعلى على الحجاب الحاجز، ما يتسبب فى تأثير تلك العضلات الكبيرة، التى تقع أسفل تجويف الصدر، على الرئتين وتحد من تدفق الهواء، يؤدى حجم الرئة المنخفض هذا إلى انهيار المسالك الهوائية فى الفصوص السفلية للرئتين، حيث يصل المزيد من الدم للأكسجين أكثر من الفص العلوى، ويميل دم الأشخاص المصابين بالسمنة إلى التجلط بشكل متزايد، وهو خطر جسيم بشكل خاص أثناء العدوى التى عندما تكون شديدة، تتسبب بشكل مستقل فى تجلّط الأوعية الدموية الصغيرة فى الرئتين، فى الأشخاص الأصحاء، تقول بيفرلى هانت، العالمة والطبيبة والخبيرة فى تخثر الدم فى معهد جايز وسانت توماس: فى الأشخاص الأصحاء، تقول الخلايا البطانية التى تبطن الأوعية الدموية عادةً للدم المحيط:«لا تتجلط»، وتضيف هانت: «نعتقد أن فيروس COVID يغير الإشارات»، لأن الفيروس يؤذى الخلايا البطانية، التى تستجيب للإهانة عن طريق تنشيط نظام التخثر، تضعف المناعة أيضاً لدى الأشخاص المصابين بالسمنة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الخلايا الدهنية تتسلل إلى الأعضاء، حيث يتم إنتاج الخلايا المناعية وتخزينها، مثل الطحال ونخاع العظام وما تُسمى بالغدة الصعترية thymus، كما تقول كاثرين أندرسن، عالمة التغذية فى جامعة فيرفيلد: «نحن نفقد الأنسجة المناعية مقابل الأنسجة الدهنية، ما يجعل جهاز المناعة أقل فاعلية فى حماية الجسم من مسببات الأمراض أو الاستجابة للقاح».
تضيف ميليندا بيك، وهى مؤلفة مشاركة فى تحليل مراجعات السمنة التى تدرس السمنة والمناعة فى جامعة نورث كارولينا: المشكلة ليست فقط عدداً أقل من الخلايا المناعية، ولكنها أقل فاعلية، وأوضحت دراسات بيك حول كيفية استجابة الفئران البدينة لفيروس الإنفلونزا أن الخلايا المناعية الرئيسية التى تسمى الخلايا التائية «لا تعمل بشكل جيد فى حالة السمنة»، وعلى حد قولها: إنهم يصنعون عدداً أقل من الجزيئات التى تساعد فى تدمير الخلايا المصابة بالفيروس، كما أن مجموعات خلايا «الذاكرة» التائية التى تُركت بعد الإصابة، التى تعتبر مفتاحاً لتحييد الهجمات المستقبلية للفيروس نفسه، أصغر منها فى الفئران ذات الوزن الصحى.
وقد وجدت «بيك» أن الأشخاص المصابين بالسمنة الذين تم تطعيمهم ضد الإنفلونزا معرضون لخطر الإصابة ضعف الأشخاص الذين يتمتعون باللقاح والوزن الصحى، وهذا يعنى أن تجارب لقاحات SARS-CoV-2 يجب أن تشمل الأشخاص المصابين بالسمنة، كما تقول، لأن «لقاحات فيروس كورونا قد تكون أقل فاعلية لدى هؤلاء الأشخاص»، بالإضافة إلى ضعف الاستجابة للعدوى، يعانى الأشخاص المصابون بالسمنة أيضاً من التهاب مزمن منخفض الدرجة، تفرز الخلايا الدهنية العديد من الرسائل الكيميائية المسببة للالتهابات والتى تسمى السيتوكينات، ويأتى المزيد من الخلايا المناعية التى تسمى الضامة التى تكتسح لتنظيف الخلايا الدهنية الميتة والمحتضرة، قد تؤدى هذه التأثيرات إلى مضاعفة نشاط السيتوكين الجامح الذى يميز COVID-19 الشديد، تقول إلهام المسعودى، عالمة المناعة التى تدرس استجابات المضيف للعدوى الفيروسية فى جامعة كاليفورنيا: «ينتهى الأمر إلى التسبب فى الكثير من تلف الأنسجة، وتجنيد عدد كبير جداً من الخلايا المناعية، وتدمير الخلايا السليمة».
ومن بين المخاطر الإضافية للسمنة، تضيف: «أود أن أقول إن الكثير منها يتم عن طريق المناعة».
تساعد شدة COVID-19 فى الأشخاص الذين يعانون السمنة فى تفسير الخسائر غير المتناسبة للوباء فى بعض المجموعات، فى الهنود الأمريكيين وسكان ألاسكا الأصليين، على سبيل المثال: يتضافر الفقر ونقص الوصول إلى الغذاء الصحى والافتقار إلى التأمين الصحى وفرص التمارين الرياضية السيئة لجعل معدلات السمنة.. مرتفعة بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى ذلك، تظهر مجموعة كبيرة من المؤلفات أن الأشخاص الذين يعانون السمنة قد يؤخرون طلب الرعاية الطبية بسبب الخوف من وصمة العار، ما يزيد من احتمالية الإصابة بمرض خطير أو الوفاة، تقول فاطمة كودى ستانفورد، طبيبة وعالمة طب السمنة فى كلية الطب بجامعة هارفارد وماساتشوستس: «المرضى الذين يعانون وصمة العار بسبب الوزن هم أقل عرضة لطلب الرعاية وأقل احتمالية لطلب المتابعة، لأنهم لا يشعرون بالترحيب فى بيئة الرعاية الصحية».
البيانات المتعلقة بكيفية علاج مرضى كوفيد -19 المصابين بالسمنة شحيحة، تدعم الأدلة المنشورة إعطاء هؤلاء المرضى جرعات أعلى من مضادات التخثر، كما يقول سكوت كاهان، طبيب السمنة، ولكن لا يُعرف سوى القليل جداً حول ما إذا كان سيتم تعديل العلاجات الأخرى مثل ريمديسفير وديكساميثازون وكيفية تعديلها، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المرضى الذين يعانون السمنة «غالباً ما يتم استبعادهم من التجارب السريرية»، ويحث على أن تشمل تجارب علاج COVID-19 الأشخاص ذوى مؤشر كتلة الجسم المرتفع كلما أمكن ذلك، وتقول المسعودى إنه يجب على الأشخاص الذين يعانون السمنة توخى مزيد من الحذر لتجنب الإصابة بالمرض. وهى تقول: «إذا كنت شخصاً مصاباً بالسمنة، فكن أكثر حذراً، ارتدِ قناعك، اغسل يديك، تجنب التجمعات الكبيرة».
بالإضافة إلى ذلك، فإن ممارسة الرياضة وفقدان القليل من الوزن بشكل منفصل يمكن أن يُحسّنا الصحة الأيضية للشخص المصاب بالسمنة، وبذلك فهما يقللان من فرص الإصابة بـCOVID-19 الحاد، لذلك أنادى ببرنامج شامل تحت رعاية وزارة الصحة ويسهم فيه الإعلام لمحاربة السمنة وزيادة الوزن.