بقلم - خالد منتصر
«ماذا يتبقى من إنسانيتنا إذا أصبحنا قطعة معروضة فى مزاد؟»، مفتاح رواية «صالة أورفانيللى» للروائى أشرف العشماوى والصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، عالم جديد مدهش يفتحه لنا الروائى كعادته، ندخل معه ونتجول فى كواليسه ودوماً نحتفظ بنفس الدهشة، الروائى إذا طرق باب المعتاد والمألوف صرنا أمام جلسة نميمة عادية، أو حكاية سمر مملة مثلها مثل النكتة التى تلقى مرتين فلا تثير الضحك، لكن الصعوبة هى فى أن تتحدى السؤال الصعب المطروح على كل روائى يبدأ كتابة رواية جديدة، هل ستستطيع أن تحلق خارج سرب الروائيين الذين كتبوا قبلك مئات الآلاف من الروايات؟، هل ستستطيع إدهاشنا؟، هل ستضيف جديداً وتكتشف بكارة وطزاجة روائية متفردة؟، إن استطعت فقد انضممت إلى عالم السحرة النبلاء ممن أمسكوا بخيط الضوء قبل أن يفلت من قبضة الفناء، من ثبتوا كادر ذاكرة الزمن على لقطة كانت ستسقط فى بئر النسيان لولا من سكنوا مدينة الرواية وغابة الحلم، الروائى أشرف العشماوى حقق تلك الدهشة من خلال عالم المزاد الجديد على معظم القراء، ومن خلال مجتمع اليهود الذين عاشوا فى مصر ويجهل الجميع كواليسه نتيجة طبقات جيولوجية متعاقبة من الكراهية برغم أن كثيراً منهم كانوا يعشقون مصر، وبالطبع إضافة أى صفة جيدة لأى يهودى فى عمل فنى ستكون خطوة محفوفة بالمخاطر، مثلما تعرض السيناريست مدحت العدل عندما تناول نفس المجتمع فى مسلسله «حارة اليهود»، أسرار المزاد مثلها مثل أسرار الحياة، مراوغة ولا تقاس بالخير والشر المطلق، أورفانيللى ومنصور التركى صديقان لكنهما ليسا نسختين، أورفانيللى الطائر قليل الحظ الذى ضحك عليه الذئب، منصور الذى يعيش صراع الأم اللعوب والزمن الضنين، البداية شمعدان ثم مزاد حجرة نوم ثم أكبر صالة مزاد فى مصر، الأحداث منذ عصر الملك حتى بداية عصر السادات، لن أسرد الأحداث لأن فى الرواية «نفس بوليسى» لا أريد إفساده على القارئ، الدم فى خلفية الجدارية الروائية يحتل مساحة كبيرة، عبر أحداث قتل منها المخطط بدقة ومنها العبثى بسخرية، علاقات ريبة وتربص وتوجس، أبرزها العلاقة العجيبة ما بين منصور وأورفانيللى الصغير، كلاهما يعرف أن الآخر ينتظر لحظة الطعن من الخلف، ولكن ثمة وداً غامضاً وخيط حب سرمدى يربط بينهما لا تستطيع تحديده، الصغير يعرف أن منصور خلف إيداع أمه مستشفى الأمراض النفسية ثم قتلها، ومنصور يعرف أن الخطابات الغامضة خلفها خال أورفانيللى الصغير الذى يتشفى فى حالة الرعب التى تنتابه عند قراءتها، منصور يموت بتدبير أورفانيللى الصغير، البحث عن كنز المزاد الذى أخفى عن الأعين نتيجة الصراع السياسى وتغير الزمن، بعد الملك جاءت الثورة وصارت صالة المزاد خاضعة لموظف حكومى، البحث عن الكنز أودى بحياة الجميع فى خاتمة روائية مأساوية، مهد لذروتها أشرف العشماوى بدقة لاعب شطرنج محترف.
رواية صالة أورفانيللى هى نافذة دهشة جديدة تستحق إطلالة منها عزيزى القارئ حتى تمسك عصا السحر برعشة الفن.