بقلم - خالد منتصر
الجدية ومحاولة الوصول إلى قمة الإتقان والكمال، هذا هو الدرس الذى تعلمته من التجربة الأخيرة مع الأستاذ والصديق الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، البداية تليفون من الأستاذ حجازى يخبرنى فيه بأنه فقد توازنه وأحس بدوخة وسقط على الأرض، فسألته مباشرة هل هناك كسر؟ فكان الرد بالنفى، ليس هناك كسر، وتحامل على نفسه وسار خطوتين، طالبته بالتوجه إلى المستشفى مباشرة، فطلب الانتظار حتى الصباح وقال إنه يحس بتحسن، ثم فى الصباح أخبرنى بأن أسفل الساق اليمنى قد تورم قليلاً، فلم أطمئن وألححت عليه فى الذهاب إلى المستشفى وعمل الفحوصات اللازمة، قبل أن أسترسل فى الحكاية، عرفت من زوجته د. سهير أنه ظل حوالى ١٦ ساعة على مكتبه يبحث ويقرأ فى الكتب، ثم يكتب المقال الأسبوعى للأهرام ويدقق ويحقق فى كل كلمة، ١٦ ساعة متواصلة يا أستاذ حجازى، معقول ما زال يوجد فى مصر كاتب يأخذ الكتابة بهذه الجدية والصرامة وذلك الاحتشاد والاحتفاء؟! بالطبع لا بد عند وقوفه بعد هذا الجهد الذهنى الرهيب من الطبيعى جداً أن يدوخ، هذا هو الدرس الذى تعلمته من هذا الأستاذ الذى ما زال حتى هذه اللحظة يستعد لمقاله وكأنه طالب علم مقبل على تحضير رسالة دكتوراه، المهم بعد إلحاح واتصالات، وافق شاعرنا الكبير على نقله للمستشفى، واتضح أنه يعانى من كسر بالعظمة المجاورة لعظمة الساق والتى تسمى الشظية، وهى عظمة والحمد لله كسرها ليس خطيراً والتئامه سريع، أحببت أن أطمئن كل أحباب وتلامذة الشاعر الكبير عبدالمعطى حجازى على صحته، والأهم أن أنقل لكم درساً صار من المستحيلات مثل العنقاء فى زماننا، درس أن الكتابة عمل يحتاج للجدية وليس مجرد رص كلام وثرثرة فارغة ولغو مصاطب، فها نحن أمام كاتب كانت بدايته مع إحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين فى عز مجد صباح الخير وروز اليوسف، نحن أمام شاعر غير عادى، شاعر أحدث ثورة حقيقية فى الشعر الحديث، وكان ديوانه الأول مدينة بلا قلب مع ديوان صديقه صلاح عبدالصبور بمثابة زلزال وبركان فى عالم الشعر، هز أركان الشعر التقليدى وقتها، وخاض معارك ضد كتاب كبار مثل العقاد من أجل ترسيخ هذا التجديد الشعرى، وذهب إلى فرنسا فى زمن مطاردة اليسار والتضييق عليه، وقابل هناك كبار المثقفين الفرنسيين، ثم عاد ورأس تحرير مجلة من أهم المجلات الثقافية التى كانت لها أيادٍ بيضاء على كثير من المبدعين، وهى مجلة إبداع، حفظ الله شاعرنا وأعطاه الصحة ليستمر فى عطائه ودروسه الثقافية والإنسانية أيضاً، لكن قبل أن أختم مقالى لا بد من توجيه الشكر للأستاذ عبدالمحسن سلامة رئيس مجلس إدارة الأهرام الذى استجاب بسرعة وجعل الأهرام يتكفل بالعلاج، والشكر أيضاً لوزيرة الثقافة د. إيناس عبدالدايم التى لم تدخر جهداً لأنها تعرف قيمة وقامة الأستاذ حجازى، كل الأمنيات بالصحة والسعادة وطول العمر لك يا أستاذنا.