بقلم - عماد الدين حسين
الإعلام المصرى مقصر فى حق الاهتمام بالشئون الإفريقية، وعلينا أن نبحث عن علاج حقيقى وجذرى لهذه المشكلة، لأنها لصيقة جدا بالأمن القومى المصرى.
إعلامنا المصرى شهد اهتماما كبيرا بالقارة الإفريقية وشئونها، فى العام الذى تولى فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الاتحاد الإفريقى، وهى الفترة التى انتهت فى يناير الماضى، وبعدها حدث تراجع كبير فى هذا الاهتمام.
فترة تولى السيسى رئاسة الاتحاد الإفريقى كانت مهمة جدا، لأنها أعادت تذكير الكثير من المصريين بانتمائهم الإفريقى.
ذروة الاهتمام المصرى بإفريقيا كانت فى الخمسينيات والستينيات ومعظم السبعينيات، وبدأ يتراجع مع اتجاهنا غربا، وبعد اتفاق السلام مع إسرائيل عام ١٩٧٧.
معظم من ولد بعد هذا التاريخ لم يعاصر الانفتاح المصرى على إفريقيا، ولا مساعدتنا عددا كبيرا من دول القارة فى شتى المجالات خصوصا فى قضية التحرر الوطنى.
لأسباب كثيرة ضعف اهتمامنا بإفريقيا، لكننا بدأنا العودة منذ منتصف عام ٢٠١٤، لكن إفريقيا التى كنا نعرفها فى الماضى لم تعد كما كانت، تغيرات كثيرة حدثت، أجيال تغيرت، دول لم تعد كما كانت، استقلت وصارت تطمح فى التنمية والانطلاق، وبالتالى فالمقاربة والعودة ينبغى أن تكون متواكبة مع العصر.
فى فترة تولى السيسى كان النشاط الرسمى المصرى قويا والاهتمام الإعلامى جارفا، خصوصا بالأخبار الرسمية، ثم بدأ هذا الاهتمام يتراجع للأسف.
علينا أن ندرك أن العودة تحتاج لجهد تراكمى مستمر حتى ننجح فى إقناع الإخوة الأفارقة بأننا أفارقة مثلهم.
نحتاج إلى تعاون مع الأفارقة فى كل المجالات، خصوصا فى التعليم والاعلام والاستثمارات والزيارات المتبادلة. بالطبع ونحن نفعل ذلك علينا أن نتوقع الكثير من العراقيل والإحباطات من جهات كثيرة.
علينا ألا نخلط بين توتر علاقتنا الحالية مع إثيوبيا أو بعض بلدان حوض النيل وبين سائر الدول الإفريقية.
صحيح أنه ينبغى أن ننمى علاقتنا مع كل دول حوض النيل شركائنا فى هذا النهر الكبير، ولكن ليس معنى ذلك أن نخسر بقية الدول الإفريقية ونهمل تطوير علاقتنا بها.
ومن الطبيعى أن تسعى الحكومة الإثيوبية إلى تشويه صورتنا طوال الوقت أمام الأفارقة بحجج واهية وادعاءات كاذبة من قبيل أننا نتعالى عليهم، وننظر إليهم نظرة فوقية!
ومن الطبيعى أيضا أن تسعى حكومة جنوب إفريقيا إلى عدم بروز الدور المصرى لأنها تنظر إلى مصر كمنافس قوى ومهم فى إفريقيا فى سائر المجالات من الرياضة والدبلوماسية إلى الاقتصاد والسياسة.
نحن ارتكبنا أخطاء قاتلة فى الماضى بحق إفريقيا، ودول إفريقية فعلت الأمر نفسه، لكن علينا ألا نبكى على اللبن المسكوب كما يقولون.
نحتاج الآن إلى تلافى كل الأخطاء، وأتمنى أن تكون هناك جهة واحدة تشرف على التنسيق بين كل المؤسسات والوزارات والهيئات والمصالح المصرية ذات الصلة بإفريقيا بحيث لا يكون الجهد مبعثرا ومؤقتا ومتقطعا.
نحتاج إلى مزيد من الجهود حتى نقضى على هذه الصورة النمطية المأخوذة عنا من قبل الإخوة الأفارقة، نحتاج إلى إقناعهم مثلا بأننا قصرنا إلى حد ما فى ترك هذه الصورة تترسخ، وهو ما استغله الكثير من المنافسين والأعداء وبدأوا يلعبون أدوارا خطيرة فى القارة الإفريقية مثل الدول الكبرى نهاية بقطر وتركيا والصين.
التواصل مع إفريقيا وبناء علاقات قوية معها ليس مقصورا على الاستثمارات فقط، لكن هو إعلامى وثقافى وفكرى ودينى ونحن لدينا العديد من أوراق القوة فى هذا الصدد.
لكن المهم أن يعود الإعلام المصرى ليمارس دوره الطبيعى فى الاهتمام بالشأن الإفريقى، ومن العيب الخطير أن تكون تغطيتنا الإعلامية مجرد نقل أخبار تبثها وكالات ووسائل إعلام أجنبية بعضها له أجندة مشبوهة.
نحتاج إلى التواصل الإعلامى مع الإخوة الأفارقة، ونقل هذه الصورة للمواطنين المصريين والعرب، حتى يدركوا بأننا جزء من هذه القارة، وأنه مهما توجهنا شرقا أو غربا، فإن جوهر مصالنا الحيوية موجود أيضا فى الجنوب خصوصا فى منابع النيل.