بقلم - عماد الدين حسين
كم مرة اكتشفنا أن العمارة المنهارة كانت غير مرخصة، وصدر لها قرار إزالة ولم يُنفذ، وكم مرة تكرر هذا الأمر فى كل الكوارث التى نتعرض لها، خصوصا فى انهيارات المبانى أو حرائق المنشآت والأكشاك والمحلات والأسواق؟!.
أقول ذلك بعد أن قال مصدر مسئول بمحافظة القاهرة يوم السبت الماضى لمحرر الشروق، إنه سبق قطع المرافق عن المحال التى تعرضت للحريق فى سوق التوفيقية، لأنها كانت مخالفة لاشتراطات الحماية المدنية والتراخيص، وأنه سيتم تشميع هذه المحال بسبب المخالفات.
وحسب المصدر فإنه يتم دراسة إمكانية إزالة الأكشاك وتوفير بدائل أخرى لأصحابها فى مناطق قريبة، لأن أصحابها يملكون تراخيص قديمة بالسوق، وأن المحافظ اللواء خالد عبدالعال، محافظ القاهرة، وجه بسرعة إزالة الأكشاك لما تسببه من زحام ومخاطر وتبلغ ٥٩ نمرة بالسوق.
نعلم أن حريقا شب صباح الجمعة الماضية، والتهم أكثر من ١٤ محلا من محلات وأكشاك قطع غيار السيارات بسوق التوفيقية بوسط البلد، والخسائر المبدئية تقدر بنحو ٢٥ مليون جنيه، وتبين أن المتهم بإشعال النار لديه خصومة مالية مع أولاد عمه وأراد الانتقام منهم!!.
لا أتحدث عن الحريق وتفاصيله، فهو يقع فى العديد من الدول، لكن أتحدث عن أننا بعد الحريق اكتشفنا أن الأكشاك تخالف اشتراطات الحماية المدنية.
والسؤال الجوهرى لماذا لم يتم إغلاق هذه الأكشاك قبل الحريق، حتى تستجيب للاشتراطات، أو حتى يتم إزالتها؟!
لا ألوم محافظة القاهرة، فما يحدث، يحدث كل يوم فى سائر المحافظات بلا استثناء تقريبا.
ومعظم العمارات التى انهارت فى المحافظات خلال السنوات الماضية، خصوصا فى الإسكندرية، كنا نكتشف فى كل مرة أنه صدر لها قرار تنكيس أو ترميم أو إزالة، لكنه لم ينفذ، حتى تنهار فوق القاطنين فيها.
كنت أستغرب لماذا لا تقوم الجهات المختصة، بتنفيذ قرارات الإخلاء أو الإزالة أو الترميم قبل أن تقع الكارثة؟!
الإجابة عرفتها بالصدفة خلال الجدل الذى صاحب تطبيق قانون التصالح فى مخالفات البناء فى العام الماضى.
فى عدد كبير من المبانى والمحلات وسائر المنشآت المخالفة، تكون «الأوراق مرتبة ومستفة»، بحيث لا يتم إدانة أحد. يذهب موظف أو مهندس الحى ويحرر مخالفة، ويودعها الأدراج، وبالتالى يخلى مسئوليته، وفى بعض المرات يذهب الموظف، ويضرب فأسا فى أحد الجدران أو يهدم حائطا، لكنه لا يزيل الأعمدة، ويتم اعتبار الأمر وكأنه تنفيذ لقرار الإزالة، وبعدها يستأنف صاحب العمارة البناء وكأن شيئا لم يكن!!.
وفى مرات أخرى لا تتم الإزالة بالمرة، بسبب نقص الإمكانات، وعدم توافر المعدات أو العناصر البشرية اللازمة للتنفيذ. والنتيجة فى كل الأحوال أن المجرمين يفلتون بفعلتهم، ثم يدفع المجتمع بأكمله الثمن بعد ذلك.
قانون التصالح فى مخالفات البناء حاول إنهاء وإغلاق هذه الصفحة المشينة فى تاريخ مصر الإسكانى والإنشائى، حتى يمكن فتح صفحة جديدة.
وكل الأمل أن يتمكن قانون اشتراطات البناء الجديد، الذى يفترض صدوره بين لحظة وأخرى، من سد كل هذه الثغرات، التى كادت أن تصبح هى الأصل وليس الاستثناء.
وإلى أن تصدر الاشتراطات الجديدة، هل يمكن أن نناشد وزارة التنمية المحلية، أن تسارع بحصر العمارات والمحلات والأكشاك الخطرة وتزيلها أو ترممها أو تخليها من قاطنيها، قبل أن نتفاجأ بانهيار عمارة، أو حريق بمحل، أو عدم توافر اشتراطات الحماية المدنية؟!
أعرف أن بعض السكان يفضلون أن ينهار المنزل فوقهم بدلا من إخلائه للترميم أو الإزالة بسبب ظروفهم المعيشية أو طمعهم، وأعرف أن العديد من أصحاب المحلات، لا يريدون إخلاءها خصوصا إذا كانت فى أماكن مميزة. لكن المتفرض أكثر أن سلامة الناس والمجتمع أهم مليار مرة من حرص بعض أصحاب العمارات أو المحلات.
تطبيق القانون بقوة وحسم على الجميع هو الأمل الوحيد فى الخروج من هذه المأساة التى تتكرر بين الحين والآخر، وآخرها مصنع الأحذية فى برج الهرم على الطريق الدائرى، وهو موضوع يستحق مناقشة منفصلة إن شاء الله.