بقلم - عماد الدين حسين
حينما بدأت حملة الـ«100 مليون صحة» فى شتاء 2018، وقبلها الحملة الموسعة للكشف عن فيروس سى، قرأت لمجموعة من الناشطين الذين كنت أحترمهم كثيرا، ينتقدون إجبار المواطنين على الخضوع بالقوة للكشف الفيروسى أو الأمراض غير السارية، خصوصا السكر والضغط والسمنة.
وقتها نفت وزارة الصحة هذا الكلام، وأكدت أنها تقنع الجميع بأهمية الخضوع لهذا الكشف، حرصا على صحته وسلامته ومستقبله.
يومها استغربت كثيرا أن مثقفين وناشطين، يقولون دائما، إنهم مشغولون بالوطن والمواطنين، خصوصا الفقراء منهم، يقعون فى هذه السقطة الغريبة، فقط لمجرد أنهم معارضون للحكومة أو النظام.
المفروض أن ما يهم هؤلاء أن يكون المواطن متمتعا بصحة جيدة، والمفروض أن أى عاقل، كان لابد أن يؤيد هذه المبادرات الصحية، التى لعبت دورا مهما، فى شفاء كثير من المصريين من أمراض مزمنة، وبالتالى تحسين حياتهم.
تذكرت كل ذلك، وأنا داخل الخيمة الكبيرة فى المركز الدولى لأمراض الكلى والمسالك البولية، فى محافظة الإسماعيلية، صباح يوم الثلاثاء الماضى، أثناء افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى للعديد من المشروعات المهمة فى مجال الصحة بعدد كبير من محافظات الجمهورية بتكلفة تصل إلى أكثر من 40 مليار جنيه.
فى هذا اليوم، وخلال تعليق الرئيس السيسى على كلمات وزيرة الصحة هالة زايد، ووزيرة التخطيط هالة السعيد، كان يمكن فهم الأهمية الجوهرية، للمبادرات الصحية، التى أطلقتها مؤسسة الرئاسة، ونفذتها الحكومة ممثلة فى وزارة الصحة.
على سبيل المثال خلال مبادرة محاربة فيروس سى و«100 مليون صحة»، تم فحص 70 مليون مواطن، ومعالجة 2٫2 مليون شخص منهم مجانا.
السؤال النظرى: لو لم تكن هناك هذه المبادرة موجودة، التى تم تنفيذها قبل ظهور فيروس كورونا بفترة طويلة، ألم يكن هناك احتمال كبير، أن تزيد نسبة الإصابات والوفيات مع ظهور كورونا، باعتبار أن فيروس كورونا سيؤدى إلى زيادة نسبة الوفيات لدى المصابين بأمراض صعبة أو مزمنة، مثل فيروس سى أو السكر أو أمراض القلب والسمنة؟!.
نفس الأمر للسيدات اللاتى تم فحصهن فى إطار مكافحة «سرطان الثدى»، وكذلك بقية الأمراض الأخرى، التى كان يمكن أن تشكل خطرا كبيرا على حياة المصابين بها، فى ظل هجمة فيروس كورنا.
النقطة المهمة التى ساهمت فيها هذه المبادرات هى خلق أو ترسيخ «ثقافة الانتباه»، لدى العديد من المصريين. بعض هؤلاء وفى إطار الثقافة السائدة، لم يكن مهتما أساسا بثقافة «الفحص الدورى» ولو حتى بعمل «صورة الدم الكاملة»، التى تكشف عن حالته العامة، خصوصا فيما يتعلق بالسكر والضغط والكولستيرول ووظائف الكبد والكلى وبقية الأمراض التى يمكن أن تشكل خطرا عليه.
هناك ثقافة قديمة وراسخة ومتجذرة، كان أصحابها يقولون «العمر واحد» أو «خليها على الله».. أصحاب هذه الثقافة كانوا يموتون مبكرا، وأقاربهم يقولون «اتخطف بدرى»، ولم يكن هؤلاء يدركون أن الأمراض كانت تستوطن وتنهش أجسادهم، ولم يفكروا فى الذهاب إلى طبيب أو معمل تحاليل أو مركز أشعة، لكى يعرفوا حقيقة أجسادهم.
حينما ظهرت مبادرة «100 مليون صحة»، وذهب هؤلاء لإجراء التحاليل، اكتشفوا أن بعضهم يعانى من أمراض، لم يشعروا بها بالمرة، وهكذا بدأوا رحلة العلاج المبكرة، مما وفر لهم فرصة كبيرة للشفاء.
يوم الثلاثاء الماضى، سمعت أن تكلفة هذه المبادرات فى السنوات الماضية بلغت 14٫2 مليار جنيه. ويومها سأل الرئيس السيسى، لو أن 10٪ فقط من الذين استفادوا من مبادرة القضاء على قوائم الانتظار فى العمليات الجراحية، لم يجروها، ألم يكونوا معرضين لخطر كبير أثناء فيروس كورونا. لكن الأهم أن هذه المبادرات ستوفر على الدولة 64 مليار جنيه هى فاتورة علاج هؤلاء فى حال عدم وجود المبادرة.
الدولة تحملت بشجاعة هذه المبالغ، وهى حق عليها للمواطنين باعتبار، أن الأموال هى أموال المواطنين، لكنْ هناك جانب آخر، هو أن حكومات أخرى لم تقتحم قضية الصحة تماما.
مرة أخرى، هناك أخطاء كثيرة وقعت فيها الحكومات المختلفة، لكن علينا أن نكون موضوعيين فى الإشادة بما تم فى مجال الصحة، خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصا القضاء على فيروس سى، الذى كان يسجل أعلى الأرقام فى مصر عالميا، ثم مبادرة 100 مليون صحة، وبقية المبادرات خصوصا مواجهة التقزم والسمنة لدى تلاميذ المدارس، حيث تم اكتشاف مليون متقزم و2 مليون يعانون من الأنيميا، حصوصا بعد توقف الدراسة، وقبل ذلك وبعده بدء تطبيق التأمين الصحى الشامل على جميع المواطنين، ومحاولة اختصار مدة التطبيق من 15 سنة إلى عشر سنوات فقط، وربما أقل من ذلك.