بقلم - عماد الدين حسين
أرجو مخلصا أن يعيد مجلس الوزراء النظر فى المادة، التى ينوى إضافتها إلى قانون العقوبات، بشأن التغطية الإعلامية لجلسات الدعاوى الجنائية.
المادة المقترحة التى تنوى الحكومة إضافتها، كما فهمنا من اجتماع مجلس الوزراء فى الأسبوع الماضى تقول: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تزيد على 200 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صور أو سجل أو بث أو نشر أو عرض، كلمات أو صورا لوقائع جلسة مُخصصة لنظر دعوى جنائية أثناء انعقادها بأى وسيلة كانت؛ بدون تصريح من رئيسها، وذلك بعد موافقة النيابة العامة، والمتهم، والمدعى بالحق المدنى، أو ممثلى أى منهما، ويحكم بمصادرة الأجهزة أو غيرها مما يكون قد استخدم فى الجريمة، أو ما نتج عنها، أو محوه، أو إعدامه بحسب الأحوال».
ظنى الشخصى أن إضافة هذه المادة لن يستفيد منها لا المجتمع ولا الدولة ولا الحكومة ولا النظام على المدى البعيد، سوف يستفيد منها فقط أعداء مصر والمتربصون بها.
هناك جزئية وحيدة فى هذه المادة أتفق فيها مع مقترح الحكومة، وهى الخاصة بتجريم نشر صور المتهمين، بصفة دائمة، طالما أنهم متهمون ولم يتم إدانتهم بصورة نهائية وباتة.
لو أن ذلك هو هدف الحكومة فإننا نرفع لها القبعة، ونطالب أن يتم إعادة صياغة المادة لتنص فقط على تجريم نشر صور المتهمين، على غرار ما تفعل دول غربية تنشر فقط صورة «اسكتش» للمتهمين حفاظا واحتراما لهم ولأسرهم حتى يتم إدانتهم.
لكن وباستثناء هذه الجزئية فإن تطبيق هذه المادة يعنى تقييد حق الإعلام الطبيعى فى متابعة المحاكمات المختلفة التى تهم المجتمع بأكمله، ولا أعرف من الذى سوف يستفيد من ذلك باستثناء أعداء الوطن؟!!!.
لنفترض أن المادة دخلت حيز التنفيذ بصورتها الراهنة، فإن الذى سوف يلتزم بنصها هو الإعلام المصرى الموجود فى الداخل، فى حين أن أى شخص حضر وقائع الجلسة سواء كان صحفيا أو موظفا إداريا أومسئولا، أو متهما أو بأى صفة يستطيع أن يرسل وقائع الجلسة لمواقع تصدر من خارج مصر وسوف تنشرها على الفور. وإذا حدث ذلك، فإن غالبية المواطنين المصريين الطبيعيين والمحبين لحكوماتهم وبلدهم، لن يستطيعوا متابعة هذه القضايا خصوصا الجماهيرية من خلال وسائل إعلام بلدهم، بل من خلال وسائل إعلام أجنبية وربما يكون بعضها معاديا ومتربصا، وفى هذه الحالة فكأنما بهذه المادة نقوم بتشجيع وتقوية وسائل الإعلام المعادية للدولة، والتى لا تلتزم بأى معايير مهنية أو وطنية.
سيرد البعض بأنه يمكن حظر كل هذه المواقع، ولكن نعلم أن هناك عشرات الطرق لكسر الحظر.
أما الخطر الأكبر فهو أن غالبية القضايا ستصبح سرية، وهو ما سيعطى الفرصة أيضا للمتربصين ببث المزيد من الإشاعات والأقاويل ضد الحكومة والقضاء.
أتمنى أن تصرف الحكومة النظر عن هذه المادة من الأساس، أو على الأقل تعيد صياغتها بحيث تقتصر على منع تصوير المتهمين، أما إذا كانت هناك جلسات ذات حساسية خاصة يمكن أن تؤثر مثلا على الأمن القومى للبلاد، فإن النائب العام يملك سلطة حظر نشر أى شىء فى وسائل الإعلام. كما أن رئيس المحكمة يملك أيضا سلطة نشر الجلسات أو تقييدها.
المادة بصيغتها الراهنة تستثنى من العقوبة الحاصلين على إذن رئيس المحكمة والنيابة والمتهم والمدعى بالحق المدنى أو ممثلى أى منهما، وهو أمر شبه مستحيل أن توافق على هذه الجهات مجتمعة على النشر.
وبالتالى فإن هذه المادة تعنى عمليا أن هناك حظر نشر على كل جلسات المحاكمات وأن هذا الحظر صار هو الأصل وليس الاستثناء.
مرة أخرى أتمنى أن تعيد الحكومة، النظر فى أمر هذه المادة الغريبة، التى لن تفيد بصيغتها الحالية، إلا كل أعداء الوطن، أو لتقل لنا الحكومة ما هو هدفها وحكمتها من هذه المادة التى ستزيد من تشويه صورتنا فى الخارج، وهى صورة لا تحتاج للأسف لمزيد من التشويه.