بقلم - عماد الدين حسين
ظنى الشخصى أننا تقترب من اللحظات الأخيرة فى تسوية الأزمة الناتجة عن سوء تطبيق قانون التصالح فى مخالفات البناء.
هذه النهاية لن تكون بفوز طرف وهزيمة طرف آخر، كما اعتقد البعض، بل بفوز الطرفين معا، أى الدولة والمواطنين. وإن كانت بعض الخدوش والشظايا قد أصابت الطرفين خلال اشتعال الأزمة خصوصا طوال أشهر الصيف وحتى منتصف سبتمبر، حينما تدخل الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، وتمكن من نزع فتيل الأزمة بمهارة، وقبل أن تتطور الأمور بصورة كان الجميع سيدفع فيها ثمنا فادحا.
حتى مساء يوم الأحد الماضى، كان عدد المتقدمين للتصالح قد وصل إلى أكثر من ١٫٧ مليون مصرى، من بين نحو ٣٫١ مليون مخالفة، وليس مليون عقار مخالف، بمعنى أن هناك بعض العقارات بها أكثر من مخالفة متنوعة.
الحكومة تنفى تماما أن الهدف من القانون كان هو الجباية. والدليل كما تقول أنها خفضت أسعار التصالح أكثر من مرة لدرجة أن نسبة التخفيض وصلت إلى أكثر من ٧٠٪ فى بعض الأماكن، وأن هدفها طى صفحة الماضى وبدء صفحة جديدة، حتى يتوقف البناء العشوائى وغير المخطط وغير المرخص، وكذلك وقف كارثة البناء على الأرض الزراعية.
خلال الأسابيع الأخيرة استمعت إلى كل أطراف القضية الأصلية فى وزارة الإسكان والتنمية المحلية ومجلس الوزراء ونماذج متنوعة من المواطنين، وأستطيع القول إن الحكومة حسمت أمرها، وإننا بصدد الوصول إلى صيغة لإغلاق هذا الملف بصورة نهائية بحيث لا يتعرض غير القادرين لأى ضرر أو أذى وفى نفس الوقت نحافظ على هيبة الدولة.
أحد المسئولين السابقين قال لى: إن الحكومة أخطأت حينما خسرت كل هذه الخسارة السياسية، مقابل مبلغ لم يتجاوز عشرة مليارات جنيه حتى الآن هى قيمة غرامات التصالح.
قلت له، قد تكون محقا فى الخسارة السياسية، لكن لا تنسَ أن التصالح المجانى، كان سيبعث برسالة خاطئة جدا وخطيرة بأن المخالف حصل على ميزة نسبية كبيرة فى حين أن الملتزم بالقوانين هو الذى خسر.
أظن أن عجلة الحل دارت بقوة فى الأسابيع الأخيرة، حينما قرر رئيس مجلس الوزراء تخفيض قيمة التصالح بنسب متنوعة وصلت إلى أن سعر المتر فى كل الريف هو خمسون جنيها، وأظن أيضا أن هناك تحركات محمودة من جانب أحزاب وجمعيات خيرية وأهلية لمساعدة غير القادرين على دفع الغرامات.
وأظن أيضا أن هناك اقتراحات بتدخل بعض البنوك لتقديم مزيد من التسهيلات للراغبين فى التصالح ولا يملكون أموالا فى اللحظة الراهنة. وأظن أيضا أننا سوف نشهد مزيدا من المبادرات الأهلية والحكومية فى الفترة المقبلة حتى تنتهى هذه القضية تماما.
الحكومة أخطأت خطأً كبيرا منذ البداية، حينما لم تدرك الأبعاد الكاملة للقضية. قانون التصالح ممتاز ومهم وحيوى، حتى نبدأ عصرا جديدا من البناء المخطط ونقضى على الحياة العشوائية التى نعيشها منذ سنوات.
ولو أن الحكومة كان لديها بيانات تفصيلية عن خريطة المخالفات والمخالفين وأنواعهم وظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، لربما كنا قد وفرنا على أنفسنا كل هذا الصداع المزمن الذى كاد يقود إلى فتنة كبرى لولا ستر الله.
المهم، لننسَ الماضى، وننظر للحاضر والمستقبل ونتمنى أن يسارع الجميع إلى التصالح حتى يستفيد من المميزات الكثيرة التى قدمتها الحكومة فى الفترة الماضية، خصوصا فيما يتعلق بتخفيض قيمة التصالح.
ظنى الشخصى، وبناء على قراءة المشهد، فإن سوء الفهم وسوء الظن قد انتهى إلى حد كبير، والرسالة وصلت لغالبية المخالفين بأن الدولة تريد أن تنهى هذا الملف، لأنه يستحيل بدء التخطيط وإصدار التراخيص الجديدة، من دون أن يتم إغلاق الملف القديم، ولابد أن يتحمل المخالفون حدا أدنى من المسئولية حتى لا يعودوا للمخالفة مرة أخرى، وحتى لا تصل رسالة للملتزمين بأن المخالفين، قد استفادوا من مخالفاتهم.
المهم، نتمنى أن تستفيد الحكومة من الدرس الأخير وتتأنى فى إصدار قانون التراخيص الجديدة خصوصا فيما يتعلق بالتفاصيل بحيث يأتى خاليا من الثغرات والألغام والتعقيدات المعهودة فى معظم القوانين.