بقلم - عماد الدين حسين
هى المرة الأولى التى أزور فيها سجن النساء فى القناطر الخيرية.
صباح الأحد الماضى، تجمعنا فى نادى ضباط الشرطة بالجزيرة وتوجهنا إلى السجن الموجود بمحافظة القليوبية، بدعوة كريمة من وزارة الداخلية، وبصحبة مجموعة من ممثلى المجالس القومية الحقوقية، وعدد من منظمات المجتمع المدنى، ومراسلى وكالات الأنباء وقنوات عربية وأجنبية ورئيسى تحرير صحيفتى «الأهرام المسائى» و«الشروق» إضافة إلى فضيلة الشيخ على جمعة مفتى مصر السابق ورئيس جمعية «مصر الخير».
المناسبة المعلنة للزيارة، هى الاحتفال باليوم العالمى لحقوق الإنسان، والذى يصادف العاشر من ديسمبر كل عام، احتفالا بذكرى اليوم الذى اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة فى العام 1948 الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.
وهى لفتة جيدة، أن تحتفل وزارة الداخلية بهذا اليوم، خصوصا فى ظل وجود انتقادات دولية واسعة النطاق لوضع حقوق الإنسان فى مصر.
يُحسب لوزارة الداخلية أنها بدأت تتوسع فى ترتيب الزيارات للإعلاميين والحقوقيين فى الفترة الأخيرة، وشخصيا زرت مجمع سجون طرة مرتين خلال أقل من عام، وأعرف أن ممثلى المجلس القومى لحقوق الإنسان ومنظمات أخرى زاروا العديد من السجون المصرية فى الشهور الأخيرة.
هذا توجه جيد من وزارة الداخلية، علينا أن نحييها عليه، ونطلب منها المزيد، والتوسع فى مثل هذه الزيارات، بحيث تشمل مقابلة مسجونين من كل النوعيات، وليس فقط الجنائيون.
فى سجن القناطر استقبلنا اللواء هشام البرادعى، مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون، واصطحبنا فى جولة تفقدية فى العديد من أقسام السجن.
زرنا المستشفى، وهو مجهز بمعظم الأجهزة الحديثة، وزرنا معرض الأثاث، ويضم منتجات ذات جودة عالية، وبأسعار أقل كثيرا من السوق، ومعرضا آخر لمنتجات ومشغولات يدوية، وزرنا جناحا يضم العديد من السلع والخضراوات والفواكه واللحوم والأسماك، التى ينتجها قطاع السجون، ويقول اللواء البرادعى: إن القطاع يسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتى من هذه السلع، حتى يخفف الأعباء على الدولة.
كل هذه الأقسام رأيتها قبل ذلك فى مجمع سجون طرة، ولكن بصورة أكبر، ما لفت نظرى فى «القناطر الخيرية» كان اللقاء مع مجموعة من السجينات، تحدثت مع أربعة منهن من أعمار مختلفة، سألتهن عن سبب دخولهن السجن، وبطبيعة الحال فإن كل واحدة تعتقد أنها مظلومة وبريئة.
فى هذا اليوم كان مع بعض السجينات أطفالهن، سألت عن الأمر فعرفت أن قواعد السجن تسمح للسجينات بالاحتفاظ بأطفالهن، إذا كانوا أقل من عامين، لكن إذا زاد عمرهم عن العامين، يتم إيداعهم دور رعاية ويقابلون أمهاتهم كل ١٥ يوما.
إحدى السجينات خريجة فنون جميلة، وترسم لوحات لا بأس بها، وأخرى متهمة بقتل ابن زوجها، وثالثة فى قضية مخدرات، وتأمل بالخروج فى إطار عفو لتربى ابنها.
دخلنا غرفة كان بها أحد القساوسة، ومجموعة من السجينات المسيحيات، يرتلن بعضن الأناشيد الدينية.
بعد نهاية الجولة فى بعض أقسام السجن، التقينا مرة أخرى مع اللواء البرادعى وسألناه، فى العديد من الموضوعات.
هو أكد وأقسم بالله أن كل ما يقال عن انتهاكات داخل السجون إشاعات وأكاذيب وافتراءات، وحينما تقع بعض الحوادث الفردية، يتم التحقيق فيها فورا، وأنهم لا يفرقون بين أى سجين وآخر على أساس هويته أو دينه، حينما يدخل السجين فهو أمانة لدينا، وكل ما نطلبه منه أن يلتزم باللوائح والقوانين.
سألت اللواء البرادعى عن حكاية السماح للمسجون بالخروج ٤٨ ساعة لزيارة أهله وهل هى حقيقة فعلا؟!
هو قال إنها حقيقية ومطبقة بالفعل، ولها شروط محددة أهمها أن يكون بقى للمسجون عامان على الإفراج، وأن يكون حسن السير والسلوك. سألته ألم يهرب أحدهم؟ فنفى، وقال كل من خرجوا عادوا مرة أخرى والتجربة مشجعة.
حينما كنا فى السجن رأينا الإدارة تطبق أشد الإجراءات الاحترازية صرامة، خوفا من تفشى فيروس كورونا، واللواء البرادعى قال «الحمد لله، إننا نجحنا فى المرور من الموجة الأولى للفيروس بصورة جيدة جدا».
تلك هى الصورة التى رأيناها فى القناطر الخيرية.
ورغم ذلك سألت نفسى: إذا كان الوضع جيدا بهذه الصورة، فما الذى يجعل كثيرين فى الخارج، ينتقدون السجون وسجلنا فى حقوق الإنسان؟!.
وهذا سؤال يستحق الإجابة فى مقال لاحق إن شاء الله.