بقلم - عماد الدين حسين
بعد انتخاب المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، رئيسا لمجلس الشيوخ، عصر يوم الأحد الماضى، تم فتح باب الترشح على منصب الوكيلين.
تقدم للترشح أربعة أعضاء هم بهاء الدين أبوشقة، وفيبى فوزى جرجس، ورندة محمد أحمد مصطفى، واللواء أركان حرب متقاعد أيمن عبدالمحسن محمد.
قبل بدء التصويت طلب أحد الأعضاء الكلمة ووجه حديثه لرئيس المجلس مطالبا بإلغاء عملية الانتخاب، وأن يتم تشكيل لجنة لكى تختار بالتوافق اثنين من الأربعة، وحجة هذا النائب أن الانتخابات تتسبب فى إثارة الشقاق والضغائن.
المستشار عبدالرازق رد بهدوء على النائب قائلا له: «لا تقلق لن تكون هناك مشاكل وعملية الانتخاب نفسها ستتم بكل هدوء».
الذى لفت نظرى وأثار إعجابى فى هذا المشهد بأكمله أنه حينما تحدث النائب مطالبا بإلغاء عملية الانتخاب واللجوء إلى التوافق، سرت أصوات همهمة وغمغمة ورفض لمنطق النائب، الاعتراض كان من غالبية الجالسين تقريبا، لدرجة أن النائب تفاجأ وطالبهم بالهدوء حتى يكمل وجهة نظره.
لا أشكك فى حسن نية هذا النائب، وللأسف فإن منطقه موجود لدى عدد غير قليل من الناس. لديهم اعتقاد أن كلمة انتخابات أو ديمقراطية أو تعددية كفر وفسوق وعصيان، خطر داهم ينبغى مواجهته.
جرت الانتخابات بكل هدوء وفاز المستشار أبوشقة وفيبى فوزى، وهنأ الجميع الفائزين، علما أن المنافستين كانتا تجلسان بجوار بعضهما فى نفس الصف بالقاعة الرئيسية.
منطق النائب يتناسى أنه حتى فى عملية التوافق تكون هناك مشاكل وعقبات وأزمات، لنفترض أن رئيس المجلس استجاب لطلبه، وتم تشكيل لجنة لإدارة عملية التوافق لاختيار اثنين من المرشحين فماذا سيحدث فى هذه الحالة؟!
هناك احتمال أن يتم اختيار الاثنين بالتراضى واحتمال أن تتم صفقة بحيث يتم إعطاء المرشحين الأخيرين فرصا أخرى، وهناك احتمال كبير أن يتمسك كل شخص بأنه الأحق، فماذا سنفعل فى هذه الحالة؟!
هل نجرى انتخابات داخل لجنة التوافق نفسها حتى يتم التوافق؟!
الانتخابات هى أفضل وسيلة متاحة، أو كما يراها البعض أقل الآليات سوءا، مثل الديمقراطية.
بالطبع لا نتحدث عن انتخابات متنوعة ومختلفة وهناك فروق بين الانتخابات السويسرية مثلا التى يتم معظمها بالبريد والانتخابات البريطانية والأمريكية، وبين الانتخابات فى عدد كبير من دول العالم الثالث.
لا أتحدث عن هذه القصة لأطالب بانتخابات على الطريقة السويسرية أو السويدية، فلكل بلد ظروفها، وهناك نموذج الصين، لديها حزب شيوعى واحد، لكن الأهم لديها حتى فى ظل هيمنة الحزب الواحد تعددية حقيقية داخل هذا الحزب تتيح ضخ المزيد من الدماء العفية فى كل شرايين الدولة والحزب والمجتمع.
لا نريد انتخابات تأتى بمتطرفين وظلاميين يرفضون أساسا الديمقراطية من أساسها ويعتبرونها كفرا، ولا يتعاملون معها إلا باعتبارها سلما يصعدون به إلى السلطة ثم يرمونه أرضا.
نريد انتخابات دائمة ومستمرة وعلى كل المستويات فى إطار القانون والدستور والدولة المدينة، ولا تتيح بأى شكل من الأشكال توصيل متطرفين للسلطة.
ما قاله النائب يوم الأحد فى افتتاح مجلس الشيوخ، قد يكون بحسن نية، لكنه يكشف للأسف عن ظاهرة مهمة، وهى ضعف ثقافة الديمقراطية والتعددية وفكرة الانتخابات عموما لمصلحة الجلسات العرفية والتوافقيات، التى تنتهى إلى نتائج أسوأ كثيرا من الانتخابات.
انتخابات مجلس الشيوخ، ومعها الانتخابات التى ستتم خلال أيام لمجلس النواب، ورغم كل تحفظات البعض عليها هى أفضل كثيرا من عدم وجود انتخابات.
همهمة نواب الشيوخ ضد فكرة إلغاء الانتخابات يوم الأحد الماضى إشارة تقول إن الجسد السياسى المصرى بخير ويمكن أن يطور أداءه للأفضل شرط وجود هامش للحرية.