بقلم - عماد الدين حسين
ما علاقة إثيوبيا بحقوق الإنسان حتى يخرج المتحدث باسم وزارة خارجيتها دينا مفتى مساء الأربعاء الماضى، لينتقد سجل حقوق الإنسان فى مصر، زاعما أن القاهرة تستخدم قضية سد النهضة كشماعة للهروب من مشاكلها الداخلية؟!
تصريحات مفتى مفاجأة للجميع، والمنطقى أن دولة فى ظروف إثيوبيا هذه الأيام ينبغى أن تلتفت لأمورها الداخلية، «ولا تحدف شبابيك الناس بالطوب، طالما أن أبوابها من زجاج هش جدا»!!
ملف حقوق الإنسان فى مصر، ليس مثاليا وبه عيوب كثيرة، وشخصيا كتبت أكثر من مقال عن ذلك، لكن آخر طرف يمكنه أن يتحدث فى هذا الموضوع هو إثيوبيا.
أتفهم إصدار بيانات من الاتحاد الأوروبى أو الكونجرس الأمريكى أو منظمات حقوقية موضوعية، لكن أن يأتى الأمر من الحكومة الإثيوبية، فهو أمر كوميدى ويدعو للدهشة!
إثيوبيا دولة ذات حضارة عريقة، ولشعبها كامل الاحترام والتقدير، لكن حكوماتها المتعاقبة تمتلك أسوأ سجلات حقوق الإنسان فى إفريقيا، لديها حزب شمولى حاكم هو «الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية» وهو اسم ليس على مسمى إطلاقا.
الجبهة عبارة عن التحالف الذى أسقط حكم منجستو هيلى ماريام أوائل التسعينيات من القرن الماضى، باعتبار أنه كان مستبدا، لكن مجمل النظام السياسى فى إثيوبيا حول هذه الجبهة الثورية إلى نفس النظام السابق الذى يحتكر معظم الصلاحيات والسلطات فى يده.
انخدع العالم كثيرا فى آبى أحمد، حينما تولى السلطة فى ٢٠١٨.
هو قام ببعض الإجراءات الإصلاحية، وتصالح مع إريتريا، وحصل على جائزة نوبل فى نفس العام، لكن النهاية التى وصلت إليها إثيوبيا قبل أيام جعلتها واحدة من أسوأ البلدان فى معايير حقوق الإنسان، خصوصا بعد الحرب الأهلية التى نشبت فى ٣ نوفمبر الماضى بين الحكومة المركزية فى أديس أبابا وإقليم التيجراى المتمرد عليها ولم تنته بصورة كاملة حتى الآن.
هذه الحرب أدت لمقتل وإصابة عشرات الآلاف وتشريد مئات الآلاف، منهم نحو ٥٠ ألفا فروا للسودان.
الحالة المزرية لحقوق الإنسان، ليست وليدة الحرب الأخيرة فى إقليم التيجراى، ولكنها مستمرة منذ سنوات بصورة منهجية خصوصا الصراعات العرقية.
حينما كنت أبحث عن معلومات لتوثيق هذا المقال فجعت بحجم المعلومات المهول عن انتهاكات حقوق الإنسان فى إثيوبيا. تجاهلت كل المعلومات التى تتحدث بها المعارضة، واكتفيت فقط بما سجلته الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية المعتمدة.
قبل أيام قليلة قالت ميشيل باشيليت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة إن الأوضاع فى إثيوبيا مغلقة وملتهبة، وبالتالى فهناك حاجة ملحة لمراقبة وضع حقوق الإنسان من جهة مستقلة.
حكومة آبى أحمد قطعت الاتصالات عن إقليم التيجراى ومنعت الإعلام من تغطية ما يجرى وبالتالى فإن كل المجازر التى وقعت، لم يعرف أحد عنها شيئا، باستثناءات قليلة مثل الهجوم الذى خلف ٢٠٤ قتلى فى هجوم شنه مسلحون فى بنى شنقول ــ جوميز فى غرب البلاد، الضحايا قتلوا أثناء نومهم.
وبعيدا عن التيجراى فإن منظمة العفو الدولية أصدرت العديد من التقارير ويوثق أحدها ــ وعنوانه «أبعد ما يكون عن إنفاذ القانون» ــ لعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والاعتقال والاحتجاز التعسفى والاغتصاب وحرق المنازل من جانب قوات الأمن خلال الصراعات الداخلية فى العديد من مناطق البلاد.
وحتى حينما حاولت قوات الأمن فض الصراعات العرقية، فإنها فعلت ذلك بطريقة وحشية، أما السجون فهى غاية فى السوء وقمع حرية الإعلام فى البلاد يشهد به الجميع، وتم استخدام القوة المفرطة فى قمع المظاهرات. وهناك استغلال جنسى للأطفال واتجار بالبشر وعمل قسرى، وتم إعلان حالة الطوارئ فى العديد من المناطق.
وهناك قوانين تجرم الاتصال الصوتى عبر الإنترنت، وتقيد حرية الوصول للإنترنت، وحظرت العديد من القنوات التليفزيونية. هناك عنف جنسى وعادات اجتماعية غريبة تجعل الزواج عن طريق الاختطاف يمثل ٦٩٪ من نسب الزواج، وخضعت ٧٤٪ من النساء بين سن ١٥ ــ ٤٥ لشكل من أشكال تشويه الأعضاء التناسلية والبتر، وهناك تهجير قسرى لآلاف الإثيوبين فى منطقة غامبيلا فقط.
ملف حقوق الإنسان فى إثيوبيا متخم بالوقائع المشينة، ولذلك لا أعرف سببا وجيها يدعو حكومتها للسخرية من ملف حقوق الإنسان فى مصر، ولا توجد مقارنة بين البلدين بالمرة. ولذلك نسأل: إذا كان الأمر كذلك فما الذى يدعو الحكومة الإثيوبية إلى أن ترتكب هذا العمل الأحمق؟!
سنحاول الإجابة لاحقا إن شاء الله.