بقلم - علي أبو الريش
في التسامح تبدو النفوس مثل جدول يذهب إلى الأشجار، فيجعلها تتفرع مترعة بالعذوبة.
في التسامح تبدو القلوب مثل محيط يحتضن سفن السفر البعيد، فيجعلها تسبح كطيور باذخة، في التسامح تبدو العقول مثل أزهار متفتحة، تنثر عطرها للناس أجمعين من دون تمزق، أو تعرق، أو تفرق.
في التسامح تبدو الأرواح، كقطنة الجروح تضمد، وتعضد، وتسرد قصة الحياة من دون ضغائن، يؤكد ذلك الفيلسوف والروائي الفرنسي الوجودي في قوله: (من المؤسف أن أكون سعيداً بمفردي).
في التسامح يصبح العالم نهراً يغذي السير نحو العشب لتصبح الحقول، خضراء يانعة بالحب والتألق، والتدفق، هكذا هي الحياة تصير بلا تجاعيد، ولا تغضنات، ولا تجاويف، ولا منخفضات تعكر صفو النمو، وتكدر مشاعر الناس، ولا تقتل جينات الوراثة التي طبعها الله في خليقته.
في التسامح يتحول كسوف الشمس إلى ضوء مشع يشمل الوجود بأكمله، ويصبح خسوف القمر، لوجيناً وضاء، يسفر في الأرض، فتصير بساطاً من لآلئ فضية ناصعة، ساطعة، تضيء دروب الناس، وتمنحهم الاستنارة.
في التسامح تختفي الألوان، وتفصح السماء عن بهاء بلون الذهب، وتبدو الأرض مساحة واسعة من دون تضاريس تحجب الأوطان عن بعضها، وتهزم الكراهية، وتبيد عنصر الكآبة عن الوجوه.
في التسامح تمطر الغيمة حباً، وعلى أثره تترعرع غزلان الحياة، جذلى بما امتحن الإنسان نفسه، وما أبداه من شفافية أرق من قماشة الحرير، في التسامح تتحرر الشعوب من (الأنا) والتي تذوب، وتتلاشى في بوتقة الانسجام، وتلاحم السواعد لتصبح ساعداً عملاقاً، يحرث الأرض، لتنبت أشجاراً وارفة الظلال.
في التسامح، لا أحد غير الكل الذي يمضي في الطريق من أجل بناء عالم بشري، تسوده المحبة وعشق قصيدة الولاء لأمنا الأرض.
يقول أدغار موران باز: (يكمن كنز البشرية في تنوعها الإبداعي، ومصدر تنوعها في وحدتها المولدة)، كما أوضح أوكتافيو باز في قوله: (يمتاز كل فرد في تفرده، ولكن في داخل كل فرد يكمن أفراد آخرون لا يعرفهم).
هذه هي كينونتنا وهذه هي طبيعتنا، ونحن مع طبيعتنا، نكون الأسعد، والأوسع إدراكاً. نكون في الوجود فراشات تلون الحياة بالجمال، وكمال السجية.
في التسامح تحتفل النجوم بفطرتنا، وتحتفي الأرض بوعينا، بأننا جزء من هذا الوجود المتحد، على أرض واحدة.