بقلم - علي أبو الريش
وأنت في محيط هذه الإمارة، تدنو منك مضارب التاريخ، وهي تحمل شعلة الأمل وهي تضرب المثل، بشيمة أعراق، وأسلاف، وقيم تلاحقت واستوت على «الجودي» لترسم صورة الماضي على سبورة الحاضر، وتمضي بالقافلة نحو ربوة الفرح، وتهطل بمطر السحابات الصهباء المتدفقة شغفاً من أعالي جبل جيس، متسربة في وجدان الناس في حناياهم في تلافيف الوجد الطفولي الذي تتبع خطوات من غابوا، ومن حضروا.
هذه هي رأس الخيمة جملة في التاريخ، وكون في الجغرافيا يهبك ماء التذكر وأنت في مكانك الذي اخترت، تجد ما يسعى إليه كل عاشق مدنف في علاقته بالمكان، وعلاقة المكان بصور قد تختبئ في مكان ما، ولكنها لا تتلاشى؛ لأنها مثل الموجة في المحيط، إنها قد تهبط، وقد لا تراها العين المجردة، ولكنها تعلو ثانية، لتطل عليك ببريق جديد، يجعلك تعيد لملمة الأحلام كأنها فصوص عقد ذهبي، كأنها حبات بلح في بداية نشوئه.
هذه هي رأس الخيمة تبدو اليوم طفلة في وشاحها الفيروزي، العقيق الأخضر تمارس حبها العفوي بذكاء المدن العريقة، وتمضي في الحياة كأنها المغزل بين أنامل نجلاء العينين، محمرة الخدين، بل كأنها اللجين في ربيعه الأول.
هذه رأس الخيمة في العالمين، زاهية بوثبة الجياد نحو الغد، باهية بقفزة الومض في ضمير الأفق، منسابة كجدول بين ثنيات العشب، موشحة بمجد أيامها المشرقة، وهي هكذا في الوعي زهرة اللوتس تتفتق عن زهو، وعطر، وبوح هو سر وجودها، ووجودها، وهو أصل انبثاق النور على صفحاتها، وهنا تجد الزائر يضع حقيبة سفره على منكبيه، ويخب في المدى الوسيع مبتهلاً، متمهلاً، راضياً، مرضياً، مؤمناً بأمان الأرض التي يسير على ترابها، مطمئناً بيقين أن الحب هو الحصن، وهو الحضن، هو ترياق، وهو حرز، وهو مشط السحابات التي تتبع الخطوات، وتسرح خصلاتها عند كل لحظة وحين؛ لأن لقاء الأرض والسماء قد يحدث في أي ثانية أو دقيقة. رأس الخيمة، مدينة أشبه بكون مأهول بلوحات تشكيلية غرائبية، وهي تلك التضاريس الثرية بتنوعها، وتلونها، وجمالها، وصورها السريالية المهيبة.
رأس الخيمة كأنها الزورق الرهيب، يسافر بك بين أضلاع المحيطات، لتطل على أروع المشاهد، وأنبل الصور. في رأس الخيمة تبدو الخيمة خبئاً في معطف الدفء، والرأس مزدهر بأفكار التطور.