بقلم - علي أبو الريش
علمنا.. في أحمره أفق يتشقشق عن شعلة الأمل، وفي أبيضه نسق يحدق في بريق النجمة، وفي أخضره نخلة بعناقيد النضوج، وفي أسوده كحل الصباحات المشرقة.
وها نحن في الفيض نتجلى تاريخاً يقتفي أثر الذين شيدوا، وسددوا، ورددوا نشيد الوحدة، عند هامات السحابات المطلة على التراب الندي، ها نحن نأخذ من السكب، ومن الحدب، ومن الغصن الرطيب نخوة شغفنا، ولهفة عشقنا، لنقول للدنى إننا عاشقون لوطن لا يشبهه، إلا هو، وهو في المشهد أيقونة، ودوزنة، هو في العالم خطوة متزنة، هو في الوجود نغمة من شفة موجة، هو في قلوبنا نبضة، وومضة، هو في الرمضاء ظل ووهج، هو في النوائب بلسم، وميسم، هو في الحمى حماية، ورعاية، وعناية، ووقاية، ورواية فصولها من وثبات خيل، وخبات ركاب، ما خابت، ولا خبأت حلماً، إنما هي في الزمن دقات ساعة تشير إلى غد مشرق، متألق، متأنق، متدفق، في وصله تبدو الحنايا أعشاباً ربيعية، وتصير النياط بتلات ورد عند نجود وجداول، هو هكذا الوطن، عندما يرفع العلم إنما يسرد قصة ازدهرت جملتها بأبدع ما ينبلج عنه قاموس المحيط، وما تنبثق به المحسنات البديعية في الخطاب الأدبي، هو هذا الوطن الذي علمنا كيف يكون للعلم، لون الفرح، وأريج الفخر، إنه القيثارة التي سكنت الألباب، واحتلت مكاناً في النفوس، لا تطاله إلا الرموز الفذة، والعلامات الناصعة، هذا علمنا، هذا جبيننا، هذا شامتنا، وشيمتنا، وهذا مرفق الحلم، وحدقة الطموح، هذا علمنا نرفعه، فيرتفع شأننا، وشؤوننا، يرتفع صوتنا، وصيتنا، حتى نبدو في المحيط موجة ترتب مشاعرها، بفيض الوشوشة، لتتعلم النوارس كيف تصوغ تغاريدها، وكيف تحلق بأجنحة الفرح، كي تعانق الفضاء، برفرفة أشبه بالهفهفة، وبخفقات أشبه بالنبرات، وهذا علمنا، هذا الراسخ الشامخ، رفعته أياد سمر، وحدقت في ألوانه، وعاهدته بأنه سيبقى مرفرفاً مادامت في القلب نبضة، لأنه في الأبدية أبجدية الوجود، هو هكذا علم رفع لأجل أن يحفظ للنجوم بريقها، وللغيمة نثها، وللأقمار دورتها الكونية، هو هكذا قماشته من نسيج حرير قلوب أحبت، فتفانت، وما توانت عن بذل، ولا تضحية.
علمنا في حومة الوغى، سيف وحيف، وفي السلام طيف، يطوف بأطراف الربوع المنعمة. علمنا، كتابنا الذي نقرأ فيه مسؤوليتنا تجاه الوطن، وكل ما يترتب علينا من التزامات أخلاقية، ووطنية، وثقافية، علمنا.. يعلمنا كيف تكون الكرامة مصانة، عندما ترتفع الهامات مثل الأشجار السامقة.