بقلم - علي أبو الريش
فكرة.. قد تغير معناك، ومسعاك، وهواك، قد تنقلك من الظلمة الحالكة إلى النور الساطع، قد ترفعك من الحضيض السحيق، إلى العلو الشاهق، قد تجعلك في وسط العالم بدلاً من أن تكون في هامشه، قد تزيح عنك غبار سنوات، لتصبح أنت شعاعاً يضيئك ويضيء كم حولك. قد تجتاز بك محيطاً هائجاً وتحط بك عند بحيرة يؤمها الطير والشجر. فكرة قد تتحول بك إلى رؤية، ورأي، وسلوك يأخذك إلى أفق أوسع من دائرة الشمس ومن استدارة الكون، فكرة قد تلوذ بك إلى حيث تطمئن النفس، وتستقر الروح، من دون لجاجة ولا فجاجة، فكرة واحدة فقط قد تتحول إلى أفكار أشبه بالأعشاب تظلل رأسك، وتمنحك الفيء المريح. فكرة واحدة قد تغير معالم علاقتك بالآخر، وتصبح أنت النهر، وهو الطير، تصبحان معاً في الوجود، السعفة والجناح، فكرة واحدة فقط قد تدلك على مواطن أخطاء ارتكبتها من دون وعي، فتنهض، وتغسل وجهك، وتزيح عن عينيك الغشاوة، وتذهب على حيث الوعي، فتكمن هناك، وتمضي في المساعي الحميدة حتى تنتهي جل معاناتك وأنت في الماضي، أنت في قاع الفنجان، أنت في اللجة العميقة، أنت في السماجة، وعقيم الأفكار.
فكرة واحدة باستطاعتها أن تجعلك من ذوي الحقول المزدهرة برياحين وعبق الأزهار، فكرة واحدة تستطيع من خلالها عبور المحيط من دون جلجلة، ولا بلبلة، ولا قلقلة فكرة واحدة تأخذك على مرافئ الصحوة، كما قال بوذا، فتصبح أنت الصاحي الذي يمتلك ألباب معرفته، من دون وسيط، فكرة واحدة، تفتح لك نوافذ، الهواء من خلالها يتسرب إليك صافياً، فكرة واحدة قد تسوق إليك العصافير أسراباً، فتسمع الدوزنة بعفوية، وبراءة الكائنات الفطرية، فكرة واحدة قد ترسل إليك قصاصة ورقية بيضاء لم تلوثها الأيام، وهي هذه هي معرفتك التي نسيتها في حقيبتك المدرسية، ولم تتذكرها إلا في لحظة حدسية، استيقظ فيها الضمير، فأهداك لحظتك المباركة. فكرة واحدة قد تجتاز بها عالم بأكمله، قد تعبر غابة بكل وحشيتها، وغرابتها، وضراوة مخلوقاتها، ثم تصل إلى حيث تكمن الطمأنينة.
فكرة واحدة قد تحملك على جناحي كائن خرافي، يجول بك في فضاءات تعلم بعد حين أنها الخيمة التي غادرتها منذ أن سكنت وسط الضجيج. فكرة واحدة قد تمنع عنك الضرر، وتحميك من مخالب مفترسات، لا منطق لها سوى إفناء الآخر، كي تستمر هي في الحياة. فكرة واحدة تكفي لأن تصبح واحة خضراء، تملأ شغفك، وتمنع لهفك، وتزيل كلفك، وتقلل إلى حد ما من رهطك، وشططك، وغلطك.