بقلم - علي أبو الريش
لو غفلت يوماً مصر عن شغب البحر، لتوالت الموجات تسحل أديم السواحل، ولو أشاحت مصر عن قضايا الأمة، لناخت نياق الشوق، واستبد الألم في الجسد العربي.
مصر ليست جزءاً، ولا طرفاً نائياً عن قضايا الأمة، هي جوهر المعطى، ومحور النسق في حياة الأمة، مصر هي العضد، وهي السند، هي الشجرة على أغصانها يرتفع التغريد، وبين ثناياها تنتشر النغمة، وينثر الطير بوحه، وتوزع الزهرات عبق التاريخ، وحضارة بلد لم تزل هي الشاهد على أهمية أن تكون مصر البلد الرائد في علاقاته الإنسانية، ودوره في بسط السلام كوازع، ورادع، لكل من يهوى الخروج عن سياق القيم الأخلاقية التي تدعو إليها الأديان، وتنهض بها العقائد الإنسانية السمحة.
مصر في عيون أهل الخليج العربي بؤبؤ العين، وبريق المقل، مصر في الخليج المظلة التي تهفهف بعيداً عن لظى الأجواء الحارقة، وهي مهند في الوغى، ومهد في السلام، هي هكذا وضعتها الطبيعة لتكون رمانة الميزان للشرق والغرب، ومنذ بزوغ شمس هذا البلد، ومصر تقف دوماً لخدمة القضايا العربية، ومساندة الأشقاء في كروبهم، وفي محنهم، هي مصر قال عنها هيرودوت «هبة النيل»، وهي هكذا وهبها الله للعالم العربي هدية مغلفة بالنون والقلم، مسيجة بثقافة البقاء دوماً منحازة نحو الحقيقة، متطرفة في نيل الحق، الأمر الذي جعلها دولة لها العقد الفريد، في بلاغتها السياسية، ولها البوح النضيد في نبوغها الفكري.
مصر أيعنت، فأمعنت في السعي قدماً نحو عالم عربي مصون، ولا تشوبه شائبة تحريف، أو تخريف، ولذلك فإن مصر من أوائل الدول التي قصمت ظهر بعير التطرف بعدما وضعت الأيدي على الجرح، واستوعبت كيف يتم وضع الخيوط الدقيقة لأولئك الذين لا يحبون لمصر، ولا للوطن العربي الخير، هم أولئك الذين يبيعون الشرف الرفيع من أجل أفكار شيفونية، ويجافون الوطن من أجل «أنا» بغيضة لا هدف لها سوى السيطرة، ورفض الآخر، والانتماء إلى نفايات التاريخ، وما خلفته هذه النفايات من بروح، وجروح في نفوس أولئك، ما جعلهم أشكالاً بشرية نافرة، ومقززة، ومرفوضىة اجتماعياً، لأنها أشكال أشبه باللعب البلاستيكية، تبدو زاهية، ولكن ما بداخلها خاو وفارغ، ولا ينتمي إلى الدين، ولا إلى الأخلاق الإنسانية.
وسوف تظل مصر الحصن الحصين، المعبأ بأحلام الأخلاقيين، المكتنز بقيم التسامي، المزدهر بثوابت البناء، والتطور، المثمر بكل ما يخدم البشرية، وكل ما يضع العرب في قارب التاريخ يوم ما كانوا يعمرون الكنائس كما يشيدون المساجد، وكما يحترمون المعابد، وتجمعهم الألفة مع الآخر من دون فواصل، ولا كواهل مشحونة بالبغض.