بقلم - علي أبو الريش
في بعض الفقدان، يسيل الحبر كثيراً كما هي الأمواج في خاصرة السواحل، وتتداعى اللغة كجدران عرقلة وجودها الريح، ويغيب البرهان كما يغيب الضوء عن النجوم، ولا يبقى في المهج سوى أسئلة الغياب، وما يعقبه من مشاعر أشبه بأوراق خريفية.
قبل أيام لف العزيز إبراهيم العابد لفيفه، وطوى ردحاً من الوفاء والتفاني لهذا الوطن، واليوم تغادر حرمه المرحومة نظمية العابد، تاركة فلذات تتهشم تحت وطأة الفراق الأليم، وعيونا ترسل الدمعة إلى اللاشيء، فتسقط بين الجفنين كأنها الانهيار العظيم، لكيان في الوجود لا تعجز المعاجم عن تفسيره، وتتقهقر القلوب إزاء جبروته.
لم تجف الدمعة من عيون باسم واختيه، حتى تنهمر القلوب بفيض من الحزن، بفراق الأم. سوف يكون لأحد الوالدين من بلسم يشفي الفجيعة، لو بقي بين الأبناء، ولكن أن يصبح الحزن مثل الصاعقة تهيم في حياض قلوب دونما حائط تتكئ عليه، فتلك الزلزلة، وتلك الرحلة المشوبة بدوار اللاعودة، تلك النبرة المؤلمة لكون تتفسخ أطرافه عندما يصلك نبأ فراق عزيز، وعندما تشعر بأن الموت مثل لص يختبئ بين الأعطاف، وبيده سكين النهايات القصوى، ومهما قيل عنه، ومهما صبغ بالمحسنات البديعية، يبقى الموت أعظم جبار في الوجود، الأمر الذي يجعلنا نبكي والحسرة مشمولة بإحساس فظيع بالفقدان، والخسارات الكبرى، وبخاصة عندما يكون الفقيد جزءاً من شمائل الروح، عندما يكون الراحل، ذهب على هودج والجمل حامل ومحمول وفي طياته جسد كان بالأمس يحمل عقلاً بوزن هذا العالم، وقلباً تضمن الحب الإنساني بما تحمله الكلمة، وروحاً أشف من جناح الفراشة.
هكذا كان إبراهيم العابد، والذي نادى ببوح سرمدي، لرفيقة الدرب، وحصن المآل، والمنال، وذهب الاثنان إلى حيث تسكن الأجساد بطمأنينة، بعدما بذلت من العطاء ما يكفي لأن يجعلها وذويها في أحسن حال.
رحل أبو باسم، وأعقبه رحيل أم باسم، لا يسع المحبين إلا أن يتأزروا بالصبر وطلب الرحمة، لم آثرا الرحيل بتتابع، كي لا يبقى للفراغ من وسيلة تحط رحالها في قلب الفاقد والمحروم من نصف الفؤاد.
رحل الرديفان، وبقيت مآثرهما، وجزيل عطائهما، وعزاؤنا في باسم وأختيه الذين سيحملون العبء، ويتكفلون بحفظ الإزر، ليبقى اسم الراحلين وسماً ووشماً، وحلماً لا تنطفئ مصابيحه، ونسقاً مستمراً في ترتيب المعاني لأسرة آل العابد.
تغمد الله الفقيدين، وأدخلهما فسيح جناته، وألهم ذويهما الصبر السلوان، وإنا لله وإنا إليه
راجعون، وسوف يظل اسم العابد رسماً في واجهة الإعلام الإماراتي، راسخاً، شامخاً.