بقلم - علي العمودي
المقولة القديمة والنصحية الثمينة التي تتداولها الأجيال على مر الأزمان بأن «الجار قبل الدار» تحولت عندنا إلى «المواقف أولاً»، فمتى ما توافرت مواقف السيارات هان وسهل كل شيء.
ما أطرحه ليس من باب «تكسير مياديف» الشباب المتحمس لبدء مشروعه الخاص، ولكن غياب الابتكار في المشاريع ودراسة الجدوى مع أزمة المواقف في العاصمة ساهما في تعثر الكثير منها، وقوضت أحلامهم بالربح السريع والانضمام لنادي رواد الأعمال.
في حي صغير بوسط العاصمة وليس قلبها التجاري، غالبية سكانه من أصحاب الدخول المحدودة تنتشر العديد من المقاهي العصرية للكوفي والكابتشينو ومسميات من ذات العائلة «الكافينية»، والتي أنفقت مبالغ طائلة على ديكوراتها لدرجة البذخ، ولكنها تعاني الكثير، منها قلة المترددين عليها لدرجة الندرة، إلا اثنان منها، والسبب واضح أنها تكاثرت في منطقة واحدة لا عن حاجة فعلية لسكانها لهذا العدد من المقاهي، وإنما أقبل أصحاب المشاريع عليها لرخص الإيجارات فيها قياساً بمناطق أخرى، كما أنها تبالغ في أسعار مشروباتها التي تصل لضعف أثمانها في المقاهي التابعة لفروع سلاسل عالمية.
أضافت أزمة المواقف الكثير من المعاناة على تلك المشاريع التي ينطفئ بعضها قبل حتى إتمام عامه الأول أو يضطر لتغيير النشاط وبطريقة متسرعة وغير مدروسة، وهو الأمر الذي ألمسه في المنطقة التي أتردد عليها دائماً كونها في طريقي إلى مقر عملي.
تجد مفتش «مواقف» يذرع المكان جيئة وذهاباً ومع حركته تتبخر كل رغبة في إطالة البقاء - لمن وجد موقف أصلاً- للاستمتاع بشرب القهوة مع صديق. وعندما تصل الساعة التاسعة مساء يتحول الأمر لكابوس حقيقي، لبدء فترة «مواقف السكان» بينما المقهى مرخص له العمل حتى ما بعد منتصف الليل، في تضارب واضح لأنظمة التراخيص عندنا، ومن ذا الذي سيعاود الكرة لزيارة ذلك المقهى الذي يكلفه 25 درهماً مقابل فنجان قهوة مضافاً إليه لدغة مخالفة غير متوقعة من «مواقف» بقيمة 200 - 500 درهم !!.
أشاهد بعض مرتادي تلك المقاهي يتوقف بسيارته حتى يظهر مفتش المواقف ليغادر المكان، آخر تجده يطلب هاتفياً ويأخذ طلبيته ويمضي، بعضهم يطلب مباشرة ويفضل التجوال بسيارته في المنطقة ريثما يتم تجهيز طلبه. وهناك فئة واسعة من عشاق القهوة يفضلون التوجه للمراكز التجارية أو المقاهي الواقعة في الأطراف، وتستمر المعاناة وتتعثر هذه النوعية من المشاريع.