بقلم - حسين شبكشي
ولا يزال الحديث مستمراً ومتواصلاً عن أهم التغيرات المتوقعة وأبرزها في حياة البشر بسبب تداعيات تفشي جائحة «كوفيد 19». ورغم أننا لا نزال في وسط عين عاصفة «الكورونا» ولم نقترب من نهاية هذا المشوار الطويل، وبالتالي قد يبدو الحديث عن التغيرات المتوقعة أشبه بضرب من الخيال، ولا يمكن بأي حال اعتباره قطعياً ونهائياً، فإن هذا لم يمنع الإسهاب في الحديث عنه.
نالت مواضيع التسوق والتعليم والصحة نصيبها اللافت والمهم من الحديث عما ينتظرها من تحولات حادة وجذرية للغاية، ستغير بشكل عميق وملموس أغلب ما كان معروفاً عنها. وما طال هذه المواضيع طال غيرها بطبيعة الحال، لكن هناك اعتقاداً كبيراً لدى مجموعة غير قليلة من المتخصصين والأكاديميين في المجال، بأن أكبر نصيب من التغييرات سيكون من نصيب قطاع النقل بشتى فروعه وأقسامه. اليوم بات من المقبول لدى عامة الناس أن يكون التعقيم الكامل والتباعد الاجتماعي جزءاً أساسياً من حياتنا، وبالتالي هذا سيكون له انعكاس كامل على قطاع النقل، وعلى اقتصادات تشغيله بطبيعة الحال. يجري الحديث عن أجهزة تعقيم فائقة الفاعلية والتأثير والدقة سيتم تجهيزها ووضعها لتكون جزءاً من مكونات المركبة في الطائرات والقطارات والحافلات والسفن. وسيتم إعادة توزيع المقاعد ليتم مراعاة الحد الأدنى من البعد الاجتماعي الإلزامي المفروض تطبيقه فيها، وهذا كله سيكون له الأثر الواضح والملموس في التكلفة، وبالتالي سيكون من المتوقع والمنطق أن يعاد تسعير الخدمات المقدمة على وسائل النقل المعنية والمتوقع أن ترتفع أسعارها بشكل عظيم.
يأتي هذا التغيير مع مجموعة مهمة جداً من التغييرات التقنية الثورية في توجهاتها وآثارها المنتظرة؛ تقنيات مبنية على تطوير الأداء وإضافة سرعات وإمكانات هائلة، الغرض منها تقصير المسافات بين نقطة المغادرة ونقطة الوصول المنتظرة بشكل غير مسبوق. سيتم استحداث طاقات كهرومغناطيسية مذهلة تجعل القطارات تسير بسرعة مهولة تقارب 600 ميل في الساعة، ليقطع المسافة بين شانغهاي في الصين إلى روتردام في قلب أوروبا في مدة 48 ساعة فقط. سينتهي زمن الطائرات العملاقة لما تحويه من مجازفات ومخاطر انتقال العدوى بين الركاب الذين يتجاوز عددهم 500 شخص، ليحل مكانها طائرات أصغر بوسائل تعقيم فعالة وتباعد اجتماعي بين المقاعد، وما ينطبق على الطائرات العملاقة ينطبق على شركات السياحة البحرية العملاقة المعروفة بالكروز، والتي سيتم تقليص عدد ركابها إلى سفن أصغر وأسرع لتكون الرحلات أقل وأقصر.
أما عن السيارات فالمنتظر أن يتم الاعتماد على خدمات التوصيل بشكل مكثف حتى يتم اعتماد السيارات ذاتية القيادة في المستقبل القريب. أما عن خدمات وسائل المترو والترام والحافلات الكبرى فسينطبق عليها ما ينطبق على القطارات والطائرات أيضاً.
كثير من النقلات المستقبلية المتوقعة والمنتظرة في عالم النقل ستسرعها بشكل فوري ومذهل تبعات تفشي جائحة «كوفيد 19»... كما وضّح كل ذلك الكاتب التشيكي الكندي فاتسلاف سميل في كتبه البالغة الأهمية عن الطاقة والنقل، والتي يقدم فيها نظرة مختلفة تماماً عن مستقبل الطاقة، وبالتالي النقل الذي يرجع بحسب المؤلف إلى التطورات التقنية المذهلة التي ستمكن العلماء من فتح المجال للأبحاث والتطوير والدخول إلى عالم الواقع من عالم الخيال، الذي كانت فيه أحلام بقيت مستحيلة، وبالتالي معلقة.
ما حصل من تحول ثوري مع «تسلا» والسيارة الكهربائية مجرد مقدمة لما هو آتٍ، فلن يكون بعيداً عنا أن يتم تعميم النموذج التسلاوي، ويصبح لدينا نفس التقنية للشاحنة والدراجة النارية والحافلة والطائرة والقطار والسفن. هذه التقنية والمنتجات الآتية معها ليست بالبعيدة عنا، وما فعلته جائحة «الكورونا» فيها هي أنها أضافت البعد الصحي والطارئ على ضرورة الإسراع باعتمادها حلاً منشوداً لما فيه «المصلحة العامة». كل هذا التغيير والتطور المستجد سيكون له الأثر الكبير على نمط وسلوكيات السفر والتنقل، وبالتالي السياحة صناعةً مهمة ومؤثرة توظف ملايين من البشر ومن الأموال، وأصبحت ركن زاوية من أسس الاقتصاد في دول كثيرة ومختلفة حول العالم.
قطاع النقل والسفر هو الشريان الذي يربط العالم، بعضه ببعض، ويسمح بانتقال البشر والسلع وتسهيل التجارة البينية، وتغييره الكبير المتوقع سيؤثر حتماً على قطاعات أخرى كأثر الفراشة.
اقرأ المزيد من حسين شبكشي
إسرائيل والعنصرية!
نشر غسيل الناشر!
الخروج من العزلة الأخطر!
تكرار الرسالة عن «كوفيد ـ 19»!
أميركا بين الفرد والمؤسسات!
حرية... تحرر... والماذاعنية!
لبنان والحل الأخير!
بين نارين!
اشترك في نشرة الرأي
سجل إيميلك هنا للحصول على موضوعات الرأي
الأكثر قراءة في الرأي
الحرب بعوض وخنادق
هل يعيد «الإخوان» ربيعهم من جديد؟
قطرة لقاح... وقطرة أمل
أولويات بايدن وفرص الجلوس إلى الطاولة
بلاد الأوزبك... أرض الفرص
مقالات رأي اخرى
مفكرة القرية: بقرات السماء
سمير عطا الله
مفكرة القرية: بقرات السماء
الزوج الغيور والزوج {المتبغدد}
مشعل السديري
الزوج الغيور والزوج {المتبغدد}
بايدن وصعوبة الرقص مع إيران
روبرت فورد
بايدن وصعوبة الرقص مع إيران
هل تصنع كاريزما القائد المستقبل؟
أمل عبد العزيز الهزاني
هل تصنع كاريزما القائد المستقبل؟
ما وراء الرعاية الإيرانية للإرهاب السنّي؟
يوسف الديني
ما وراء الرعاية الإيرانية للإرهاب السنّي؟
أميركا والعودة إلى التعددية الدولية
د. محمد علي السقاف
أميركا والعودة إلى التعددية الدولية
أكاذيب اللوبي الإيراني في واشنطن
نديم قطيش
أكاذيب اللوبي الإيراني في واشنطن
نهضة اقتصادية جديدة في ظل قيادة رشيدة
مها محمد الشريف
نهضة اقتصادية جديدة في ظل قيادة رشيدة
اختيارات المحرر
«سابك» السعودية تخالف التوقعات وتحقق أرباحاً في عام {كورونا} الصعب
«سابك» السعودية تخالف التوقعات وتحقق أرباحاً في عام {كورونا} الصعب
هل تساعد علاجات «سارس» في مكافحة «كوفيد ـ 19»؟
هل تساعد علاجات «سارس» في مكافحة «كوفيد ـ 19»؟
تونس: مشهد إعلامي جديد وتحديات بالجملة
تونس: مشهد إعلامي جديد وتحديات بالجملة
«حقول السماء»... رحلة تشكيلية في جماليات الريف
«حقول السماء»... رحلة تشكيلية في جماليات الريف
«حصة الرئيس»... بدعة دستورية عارضها عون ثم تمسك بها
«الجهاد» تحدد شروطها للمشاركة في الانتخابات
الأحزاب الإسرائيلية تستغل آخر أربعة أيام قبل الانتخابات
دمشق تستهل حملة الانتخابات الرئاسية بتفعيل «الجرائم الإلكترونية»
طوق أمني في موسكو مع تجدد المظاهرات... وتوقيفات بالجملة
داود أوغلو: من الصعب فوز تحالف إردوغان ـ بهشلي في الانتخابات المقبلة
مدن ألمانيا تواصل التخلص من قنابل الحرب العالمية الثانية
أبراموفيتش لم يمنح لامبارد الوقت الكافي لتصحيح مسار تشيلسي
الوسائط المتعددة