بقلم: حسين شبكشي
يتذكر محبو سوريا هذه الأيام مرور عشر سنوات على حراك شعبي عريض وكبير، تطور إلى ثورة متكاملة ضد طغيان نظام الأسد. عشر سنوات كان ثمن التواطؤ الدولي ومساندته بشكل أو بآخر لنظام الأسد المستبد، الموت والإصابات والتهجير والتشريد لمئات الآلاف من السوريين، ليتحول هذا المشهد الذي بدأ سلمياً ومثالياً ونال تعاطف العالم، إلى أكبر مأساة عرفتها البشرية في العصر الحديث.
استغلت هذه الثورة القوى المختلفة في المنطقة لتكريس حضورها وأهدافها. القوى التكفيرية الإرهابية مثل «القاعدة» و«النصرة» و«حزب الله» و«داعش» و«فاطميون» و«زينبيون» وصلت لغاياتها في المواجهات التي حصلت في سوريا، وحوّلت المواجهات إلى حروب أصولية بحتة بعيداً عن أصل المطالب المحقة التي نادى بها الشعب السوري.
الولايات المتحدة التي أخذت موقفاً لفظياً حاداً بوضعها خطا أحمر أمام نظام بشار الأسد في حالة استخدامه للأسلحة الكيماوية في مواجهة شعبه (وهو ما حصل فعلاً) ليتبين لاحقاً أن هذا لم يكن سوى فصل صغير في القصة الأهم التي كانت تسعى إليها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وقتها، وهي الوصول إلى اتفاق نووي مع النظام الإيراني حليف بشار الأسد الأهم، ولذلك رحب فوراً بالعرض الروسي القاضي بالإشراف على تصفية ترسانة الأسلحة الكيماوية الموجودة لدى نظام بشار الأسد. ولعل أبلغ وأهم ما عرته الثورة السورية، هو حقيقة المواقف التي كانت تغطيها التصريحات السياسية المنمقة والحماسية بحسب نوع الجمهور. سقط القناع عن الوجه القبيح الحقيقي لتنظيم «حزب الله» الإرهابي الذي حسم خياره ليعلن طائفيته القبيحة مدافعاً عن نظام طاغية ومجرم، وليس غريباً أنه منذ انخراطه في الحرب الدامية ضد الشعب السوري، وهو لم يقم بتوجيه أي تهديد ضد إسرائيل، بل إن إسرائيل نفسها صرحت على لسان أحد أبرز قادة «الموساد»، وعلى لسان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، بأن بقاء الأسد هو ضمانة لأمن إسرائيل، وذلك كتأكيد لكلمة ابن خال الرئيس السوري رامي مخلوف، الذي كان وقتها الواجهة الاقتصادية للنظام السوري، حينما قال: «إن أمن سوريا من أمن إسرائيل»، في حديث له لإحدى الصحف الأميركية في بدايات الثورة السورية.
لكن القصة التي بدأت مثالية ونالت تأييد العالم، دفعت الثمن وحدها فيها أطياف الشعب السوري الأبي العزيز عندما تغلبت المصالح على الحق، إذ طرحت إسرائيل أمام أوباما وإدارته محاذيرها وخوفها على أمنها في حال تغيير نظام الأسد، وهو الذي أبقى الجولان المحتل أهدأ من منتجعات هاواي السياحية على مدار العام لمدة أربعة عقود، وهناك أيضاً الروس الذين قرروا الدخول بكامل عتادهم لإنقاذ النظام مقابل صفقة العمر التي منحتهم قاعدة عسكرية وحقوق التنقيب عن الغاز في المتوسط وصفقات سلاح كبرى ومنطقة نفوذ آخذة في الاتساع بالتدريج. ولكن الثمن الإنساني كان مرعباً ومهولاً ليتحول إلى خطيئة في أعناق الجميع، الذين تخلوا عن السوريين، وقرروا بطرق مختلفة الإبقاء على المجرم.
عشر سنوات من الأحلام التي وئدت والأرواح التي زهقت، والدماء التي سالت والناس التي فقدت والعوائل التي شردت، هي نتيجة حزينة للقرارات السياسية اللاأخلاقية بدعم نظام الأسد، وهو الذي أحدث القتل والدمار منذ اللحظات الأولى لاندلاع الثورة، ليوضح ويبرهن للعالم أن الخيار الواضح هو إما بقاؤه حاكماً أو الدم عاملاً بالقصة التوراتية الشهيرة خيار شمشون، عندما حطم المعبد على رأس الجميع، وهو يقول صيحته التي تحولت إلى شعار: «عليّ وعلى أعدائي».
اليوم تمر سوريا بوضع اقتصادي كارثي، تواجه فيه الجوع بمعناه الحقيقي، بعد أن فقدت قدرتها على تأمين احتياجاتها ذاتياً، وكذلك فقدت عملتها الوطنية لأكثر من 85 في المائة من قيمتها، وبالتالي عدم قدرتها على تعويض ما ينقصها بالاستيراد من الخارج. كما يتردد هذه الأيام أن هناك طبخة سياسية يتم إعدادها لمرحلة ما بعد الأسد برعاية روسية في المقام الأول، باعتبارها أصبحت تتحكم في زمام الأمور، ولكن ملامح السيناريو القادم لا تزال مجهولة، إلا أن نظام الأسد وزمرته ومرتزقته سيحرصون أشد الحرص على رفع فاتورة التغيير وذلك بتكلفة الدم، الذي دوماً ما يكون من نصيب الشعب السوري العظيم. عشر سنوات «تنذكر وما تنعاد».