بقلم - مشاري الذايدي
كيف سيذكرني التاريخ؟ كيف سيذكرك التاريخ؟ هذان سؤالان؛ الأول موجّه من الذات للذات، والثاني من «الآخر» للذات، يتمحوران حول حكم التاريخ، وكيف تكون جديراً - أنت - باحترامه، وتوقيره.
غالباً هذا السؤال يساق للساسة، وأهل الرأي، والفنانين، والرياضيين، والعلماء... وليس لسوقة الناس، الذين لا يحفلون بما سيذكره التاريخ عنهم، لأنهم في مياه اللحظة غارقون.
لكنه سؤال خادع، أو مفتقر للدقّة، يكفي القول، مثلاً: عن أي تاريخ نتحدث، ومن أي زاوية، ومن سيقرر أن هذا هو حكم التاريخ بالمطلق على صورة موضوعية مجردة من الدوافع المنحازة، قومية كانت أو إثنية أو طائفة أو دينا أو حزبا أو تيارا ما... هل يوجد حكم تاريخ، هكذا، بالمطلق، أو يوجد حكم «بعض» كتبة التاريخ، ومسوّقي هذا المكتوب؟
بكلام أقرب للواقع، من يقرّر صورة الرئيس الأميركي الخارج من البيت الأبيض، دونالد ترمب، في كاميرا التاريخ؟ وأي تاريخ، وأي ملتقط للصورة، وبأي كاميرا، وكيف، وأين، تعرض هذه الصورة، ومن هم الجمهور المتفرج؟
كلها معايير نسبية غير قطعية، فلو فاز ترمب بالولاية الثانية، ونجح في بناء آلة إعلامية ومنصات «سوشيال ميديا»، ووسع البنية الحزبية «للترمبية» ولو لم تحصل جائحة «كورونا»، قبل ذلك، ولو لم يقتحم الغوغاء مبنى الكونغرس، بعد ذلك، فهل كانت الصورة... هي هي؟
أجرت «بي بي سي» استطلاعاً سألت فيه بعض المثقفين، وأساتذة العلوم السياسية، وجلّهم أجاب عن سؤال المحطة عن تراث ترمب، بإجابات سلبية... بتهم مختلفة، بعضها محقّ، لكن ترمب ليس الوحيد فيها، وبعضها مبالغ فيه، وبعضها يستحق فيها ترمب وحده اللوم، وبعضها على طريقة الشماتة، وبعضها من باب الثأرية اليسارية العاتية.
من الأجوبة اللافتة في استطلاع «بي بي سي»: «إنه الرئيس الذي بنى اقتصاداً مزدهراً وأعاد صياغة موقف أميركا من الصين حتى قبل تفشي وباء (كوفيد - 19)، وهو الرئيس الذي أزال قادة الإرهاب من ساحة المعركة، وجدد برنامج الفضاء وضمن أغلبية محافظة في المحكمة العليا الأميركية، وأجاز عملية تسريع إنتاج لقاح لمواجهة (كورونا) في وقت قياسي». لكن هذه الإجابة «النادرة» في الميديا الليبرالية عن ترمب، ليس لها قواعد ولا فروع... نغمة يتيمة في قاعة فارغة.
ليس ما سبق، دفاعاً عن ترمب، ولا هذا ما يشغل هذه الكلمات... هو تأمل في كيف تصنع الصور، بقوة القسر والفيضان الإعلامي. قال حكيم العراق المتألم، معروف الرصافي:
إذا شطَّ جيلٌ خطّ من جاء بعده / أكاذيب عنه بالثناء تُزوَّقُ
فما كُتب التاريخ في كل ما روَت /لقرَّائها إلا حديثٌ ملفَّقُ
نظرنا لأمر الحاضرين فرابَنا /فكيف بأمر الغابرين نصدِّق؟!