بقلم: يوسف الديني
حوادث استهداف نواقل المنتجات النفطية بات أحد تكتيكات نظام ملالي طهران في محاولة الضغط على الملف الأمني في المنطقة، وكان آخرها استهداف الناقلة «ميرسر ستريت» في خليج عُمان، التي تم استهدافها بطائرة مسيّرة إيرانية صدمت أعلى هيكلها، وتسببت في حالة من الذعر في أسواق النفط وتباين في الأسعار وسط مخاوف كبيرة من أن تؤدي هذه الموجات من الاستهداف السافر إلى اختلال موازين الأسواق التي تترنح بسبب جائحة «كورونا»، وهو ما طرح التساؤل لدى مراكز الأبحاث وخزانات التفكير عن مدى تأثير «فيروس الملالي» المتطرف الذي بات يضرب بشكل ممنهج إمدادات الطاقة العالمية بالقرب من مضيق هرمز.
وفي التفاصيل سارع المسؤولون الإيرانيون، كالعادة، إلى نفي أي صلة بالحادث، ورغم أن التحقيقات لا تزال جارية، إلا أن من المرجح أن يختم ذلك، كما في مقاربة ورقة لمعهد واشنطن عن مقارنة «صنع في طهران» التي استغلت سير الناقلة من دون أي رفقة من السفن الأميركية.
استباقاً للنتائج، أكد وزير الخارجية الأميركي بلينكن، ثقة بلاده بأن إيران هي من نفذت الهجوم، معيداً التحذيرات والمخاوف ذاتها من أن تؤدي هذه الأعمال المتطرفة إلى تهديد وشل حرية سير الملاحة عبر الممرات المائية وانعكاسات ذلك على التجارة الدولية والأمن بشكل عام.
ما الذي يمكن ملاحظته لأي متابع لردود الفعل على السلوك الإيراني المتطرف ومسلسل الملالي في استهداف الممرات الدولية؟
بدون تردد ارتباك المجتمع الدولي في قراءة التهديد الكبير لطهران اليوم، رغم كل المقاربات الناعمة بشأن المفاوضات، إضافة إلى تقييم سلوكها بشكل فردي من قبل الدول المتضررة، وليس عبر منظومات كالأمم المتحدة أو حتى الاتحاد الأوروبي، وهو ما ينعكس دائماً بشكل إيجابي على قدرة ملالي طهران على استغلال هذه الثغرات في توسيع حجم الفجوة بين مواقف الدول الغربية الكبرى ومطامعها، في الحادثة الأخيرة هرعت بريطانيا إلى الاستنكار من خلال وزير الخارجية دومينيك راب، الذي أدانه بشكل يتجاوز التصريحات المتكررة للإدارة الأميركية، وذلك على أثر مقتل حارس أمن بريطاني، لكن الوزير طالب برد منسق على الهجوم من قبل الشركاء الدوليين.
الملاحظة التي لا تقل أهمية عن التباين في تكوين موقف دولي موحد من السلوك الإيراني، ليس في المنطقة وإنما ضد مصالح الدول الغربية ذاتها، هي تزامن هذه الهجمات مع مرحلة انتقالية للرئاسة الإيرانية وتسنم جناح الصقور لزمام الأمور مع تضخم مؤسسة «الحرس الثوري»، وما يتبع ذلك من حروب الظل وبالوكالة عبر الأذرع النشطة لإيران، ومنها ميليشيا الحوثي التي تتواءم مع استراتيجية طهران في رفض أي محاولة فك ارتباط تسعى لها المؤسسات الدولية، ومنها الأمم المتحدة، في تعنت لا تخطئه عين المراقب.
الإشكالية تبدأ ولا تنتهي من تقييم سياسات الإهمال لسلوك دولة ملالي طهران وأذرعها كـ«حزب الله» وميليشيا الحوثي والعشرات من الميليشيات العقائدية التي زرعتها كألغام لتهديد استقرار المنطقة تحت مرجعية «الحرس الثوري» المعبر عن هوية إيران الثورية.
والحال أن كرة الدبلوماسية وخيارات الردع اليوم في ملعب المجتمع الدولي، ومضمار الدول الغربية، أوروبا والولايات المتحدة، التي يتحتم عليها إعادة تقييم الحالة في المنطقة ما بعد استهداف المصالح الدولية عبر أهم شريان له، وهو ممرات نقل النفط، وبشكل مباشر، ولم يعد يسعف تلك القوى بعد أن تم استهدافها بشكل واضح التردد أو الاكتفاء بالشجب السلبي والتنديد الدبلوماسي، ولعب دور المراقب الموضوعي، فارتفاع منسوب التوتر على هذا النحو هو بداية إعلان حالة الانسداد على المستوى الدبلوماسي والتفاوضي، وبالتالي على مستوى المواقف الرخوة المبنية على البراغماتية المحضة.
سلوك إيران ببساطة يسعى إلى الدمج وشرعنة منطق الميليشيا مع منطق الدولة، ومزج المقاومة بالمساومة، والحال أن وضعية المنطقة اليوم تقول لنا بوضوح إن تأثيرات الميليشيات المدعومة من إيران يتجاوز كل ما عرفناه من إرهاب التنظيمات.
خلاصة القول إن نظام طهران يعمل على توسيع نطاق تعميم ثقافته الاستهدافية وبناء رصيد من العمليات المدمرة والهجمات المؤثرة، سواء في حجم الضحايا، أو تعطيل مسار الاقتصاد وممرات عبور النفط، كما هو الحال في تحقيق المزيد من الأرقام كأكثر الدول المستثمرة في الصواريخ الحربية وإنتاجها، ورغم كل ما يقال عن قدرة الصفقات النووية مع النظام في تخفيف السلوك العدواني الإيراني، فإنها ليست سوى أضغاث أحلام مع إصرار الملالي على إنتاج المزيد من ثقافة الدم وأدوات التخريب. الاستثمار النووي ليس إلا رأس جبل الجليد في قصة إيران التوسعية الثورية واستهدافها لدول المنطقة واقتصاديات العالم، وهي قصة مرشحة لأن تكبر كلما ضاق عليها ممانعة الداخل أو تراجع سيطرتها على الدول التي تستثمر فيها ببناء ميليشيات تابعة.