بقلم : محمد أمين
هدانى تفكيرى بعد العودة من النوبة أن أقترح فكرة إقامة أسبوع لكل محافظة، على أن تُذاع الحلقات فى التليفزيون.. وتقدم فيها نبذة عن رموز المحافظة وعاداتها وتقاليدها.. وتبدأ بمحافظات الصعيد ليتعرف الجهلة على كنوزها وتاريخها ورموزها.. من أول عباس العقاد إلى طه حسين إلى الشيخ الطيب، الزعيم الروحى للجنوب.. إلى جمال عبدالناصر.. وغير هؤلاء.. حتى يتعلم المذيعون أولاً قيمة هذه الأرض، فلا يتطاول أحدهم على شرف هذه البلاد ولا يضعنا فى مأزق بعد الآن.. ويتم التعاون مع المحافظات لتقديم رموزها وكنوزها، وماذا فعل المحافظ الحالى لتطويرها وتقديم خدمات للجمهور.. لأن بعض أهالى المحافظات لا يعرفون المحافظ!.
ولا تستغرب أن المحافظ نفسه لا يعرف قيمة المحافظة التى يديرها ولم يسمع عنها قبل توليه أمورها، وللأسف قد يعتبر نفسه حين يذهب إلى الصعيد فى منفى، وقد لا يتأقلم معهم إلا قرب رحيله!.. نريد أن تكون أسابيع المحافظات بداية لإعادة الوعى بالمهمشين وإعادة الوعى الأثرى، الذى تهتم به وزارة الآثار الآن.. فقد أنشأ الوزير إدارة الوعى الأثرى بكل محافظة.. بالتأكيد لأنه لاحظ حالة جهل رهيبة.. حتى عند المسؤولين، وقد كتبت عن مسلة القوصية التى بناها مجلس المدينة بالطوب الأحمر فى مدخل الآثار فأمر الوزير بهدمها، وتمت إزالتها فعلاً استجابة لما كتبناه!.
الوعى الذى أدعو إليه لا يتعلق بالمواطن فقط، ولكن يتعلق بالمحافظ وكل رؤساء المدن أيضًا.. وهى دعوة تتواكب مع خطة تطوير الريف المصرى، التى يتبناها الرئيس السيسى لتغيير شكل مصر!
وقد زرت فى الشهور الأخيرة محافظات المنيا وأسيوط وأسوان وعدت أخيرًا من النوبة، التى غسلت كل جوارحى.. وعشت أيامًا مع أناس بشرتهم سمراء وقلوبهم بيضاء.. لا يغلقون بيوتهم فى وجه أحد.. البيوت مفتوحة لتأكل فيها وتشرب قهوتك فى أمن وأمان.. كأنهم لا يخشون الفقر.. فلا تسمع زنة ناموسة.. ولا تسمع كلاكسًا ولا صوت ميكرفون الروبابيكيا.. وتنام الساعة كأنها عشر ساعات.. وتتحرك بين قراها بالمركب كأنك فى فينسيا مصر!
ستبقى النوبة من بين هذه الرحلات الأكثر جمالًا والأكثر كرمًا والأكثر إمتاعًا.. تعيش كأنك ملك.. الإفطار عسل أسود وفطير وبيض مدحرج وأوملت.. وفول وطعمية لم تذقها من قبل، وأنواع الجبن المختلفة.. وفى الغداء على مركب فى النيل.. يخت ملكى دون أن تشعر بالإرهاق المادى بثمن رحلة فى نيل القاهرة دون أكل وشراب!
باختصار أرجو أن يتبنى القائمون على الإعلام هذه الفكرة فى إطار زيادة الوعى والانتماء لبلادنا.. ومعرفة كنوزها ورموزها، وقد ذكرت منهم واحدًا بالمائة.. فبلادنا غنية وثرية بناسها قبل آثارها.. وهو شىء ينبغى أن نهتم به الآن وليس غدًا!.