بقلم : طارق الشناوي
عندما يذكر اسم محمد ثروت ستعتقد على الفور أننى أقصد الممثل الكوميدى- الذى لم يٌضحك بالمناسبة ولا مرة كاتب هذه السطور- إلا أنه مصنف بين نجوم مسرح مصر الذين أطلقهم أشرف عبدالباقى، ربما كان العيب عند أجهزة الضحك التى أملكها ولم يتم تحديثها، والدليل أن ثروت متوفر بكثرة فى العديد من الأفلام والمسلسلات، التى يطلق عليها صانعوها كوميدية.
الممثل محمد ثروت أصبح حصريا محتكرا لاسم محمد ثروت، رغم أنه قبل أكثر من أربعين عاما لم يكن أحد يتصور أن هناك محمد ثروت فى الدنيا سوى المطرب محمد ثروت، قبل عصر الفضائيات كانت القنوات التليفزيونية والإذاعية تقدم أغانيه وبإلحاح، حتى المحطة الغنائية الوحيدة فى ذلك الزمن والتى أطلقنا عليها (محطة أم كلثوم)، كان ثروت هو المطرب الوحيد فى البداية الذى سمحت له بالغناء بجوار الكبار.
دعم مسيرة محمد ثروت التى بدأت مطلع الثمانينيات، ارتباطه بسلطتين سياسية وغنائية، الأولى متمثلة فى الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكثيرا ما كانت الناس تجد فى ملامح ثروت ما يذكرهم بحسنى مبارك، ويبحثون عن صلة القربى بينهما، ولم يكن قطعا هذا له صلة بالحقيقة، ثروت من طنطا ومبارك من المنوفية، كان هو المطرب الرسمى للنظام، ترشحه الدولة لكل المناسبات الوطنية، وعلى الفور صعد اسم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذى تبنى أيضا مطرب السلطة، ربما وجد عبدالوهاب فى صوته ما يجذبه، أكيد قطعا حدث ذلك، إلا أن الموسيقار الكبير لم يتحمس حتى للتلحين للأصوات الرجال بعد عبدالحليم، فلن تجد له أغنيات مثلا لمحمد رشدى ولا محرم فؤاد وصولا لهانى شاكر، هناك شىء آخر فى المعادلة، وهى السلطة التى يعمل لها عبدالوهاب ألف حساب، قدم له عبدالوهاب 12 لحنا وهو رقم ضخم، لو علمت أن شادية لم تغن لعبدالوهاب سوى أربعة ألحان، وأصوات مهمة فى تاريخنا الغنائى مثل فايزة أحمد وصباح لم يلحن لها سوى تقريبا نفس عدد ألحانه لثروت.
رغم تمتع ثروت بمساحات صوتية وخصوصية إلا أن أغانيه كانت تُشبه أغانى السابقين، بينما الذين واكبوا ثروت مثل عمر فتحى وعلى الحجار ومحمد منير ومحمد الحلو وإيمان البحر درويش، كانوا يقدمون نبضا جديدا، حتى جيل كبار الملحنين أمثال بليغ حمدى عندما يلحن لعلى الحجار كان يقدم له أغنية تشبه ملامح زمن الحجار، بينما عندما يلحن لثروت يذكرك على الفور بالزمن القديم، مرات قليلة كان يخرج فيها عن تلك القولبة مثل لحن ميشيل المصرى (مين اللى ما يحبش فاطمة) وهو أقربها إلى قلبى.
قبل سنوات استمعت لثروت وهو يردد اللحن الدينى المقدم على إيقاع راقص يذكرك بأغانى المولد (يا رسول الله أجرنا) وحقق أيضا أرقاما مليونية، النغم فولكلورى بينما ثروت يؤكد أنه تلحينه، المفاجأة تكررت مع الأغنية العاطفية (يا مستعجل فراقى)، كلمات تامر حسين وتلحين محمد رحيم، قدم ثروت موسيقى هذا الزمن ولم يتشعبط فى لحن أو كلمات مهرجانات، قدم نغمة وكلمة مشاغبة موديل (2021)، وفى نفس الوقت تحمل رصانة، جاءت الأغنية تشبه ملامح ثروت، وفى نفس الوقت تعبر عن هذا الجيل، (التريند) المليونى يؤكد أن الأغانى الجميلة لاتزال ممكنة، هل الحياة الفنية تبدأ بعد الستين؟ ممكن والدليل (يا مستعجل على فراقى) الذى أعاد اسم محمد ثروت إلى صاحبه الأصلى المطرب محمد ثروت!!