بقلم : طارق الشناوي
شاهدت حلقة من برنامج (نجمك المفضل) نهاية الستينيات على (اليوتيوب) فى (ماسبيرو زمان)، لقاء بين المذيعة الشهيرة ليلى رستم والفنان الكبير عبد الوارث عسر، وتواجدت فى الاستوديو ابنتاه، استوقفنى اسماهما (لوتس) و(هاتور)، وهذا يعنى ترحيبا اجتماعيا بالأسماء الفرعونية، حتى فى البيئة الشعبية، حيث كان يعيش طوال رحلته.
عبد الوارث هو واحد من الآباء المؤسسين الكبار الافتراضيين، أى أنهم انتقلوا من الشاشة إلى الواقع، وهم الذين طرحوا ملامح الأب فى الشارع المصرى والعربى. وفى تلك الحقبة الزمنية، من الممكن أن تذكر الثلاثة الأهم منذ الثلاثينيات وحتى السبعينيات، مع عبد الوارث، كل من حسين رياض وزكى رستم.
قطعا هناك اختلاف وتباين فى العديد من التفاصيل، ولكن ظل الأب التقليدى بوجهيه عبد الوارث وحسين رياض، الأكثر طيبة، إذا استبعدنا من هذا التصنيف الأب زكى رستم، لأنه فى الحقيقة متجاوز (الكادر)، سنتوقف أمام عبد الوارث الأب الأكثر عادة عطاء وتضحية والتزاما دينيا، اكتشفنا أن عبد الوارث عندما تتاح له أداء شخصيات درامية مختلفة مثل دوره فى (شباب امرأة) صلاح أبوسيف 55، أو (الأرض) يوسف شاهين 70، يسفر الأمر عن إبداع مغاير، وهو كما يبدو كان مدركا، أنه أولا الممثل وليس الصورة الذهنية التى يتم تداولها، كما أنه يضرب مثلا عمليا ينفى أنه كان يقدم أى أحكام أخلاقية مُسبقة على أدواره وهو قطعا ما ينسف الرؤية الفنية، رغم أن هذا التوجه كان عنوان العديد من الأفلام وهناك من تخصص فى الرسالة المباشرة، مثل المخرج إبراهيم عمارة يكتب آيات قرآنية على الشاشة، تشير إلى المعنى والهدف والرسالة، ورغم ذلك فإن نموذج عبد الوارث فى أدوار أخرى حتى لو كانت قليلة ينفى عن الرجل تبنيه لحكم أخلاقى مطلق كان مسيطرا على البعض وتلك قصة أخرى.
فى الضمير الجمعى المصرى عبد الوارث المثقف والشاعر وأستاذ الإلقاء وهو بمثابة أيضا الأب الروحى فى الوسط الفنى.
شخصية تتمتع باحترام، ومتطلعة قطعا أيضا للجذور المصرية كما يبدو فى اختيار أسماء ابنتيه، برغم تركيبته المحافظة، لم يكن المجتمع فى عمقه لديه مشكلة فى شىء من هذا القبيل.
اختيار الأسماء ليس قطعا عشوائيا، وهو لم يكن استثناء، ولكن كيف تضاءل تواجد هذه الأسماء الفرعونية فى البيت والشارع وصار تداولها فى إطار طبقة محددة من المجتمع؟
الإسلام الشكلى لعب دورا رئيسا فى المظهر الخارجى، ومن ثم فى اختيار أسماء المواليد، الشارع المصرى من الواضح فى مطلع القرن العشرين كان سعيدا ومرحبا بتداول الأسماء الفرعونية، إلا أن هناك شيئا ما ترك كما يبدو ندوبا، وعندما يعود رجل الشارع لمنح أسماء جديدة تلك المساحات المستحقة ستجد أن المجتمع صار أكثر تسامحا فى التعاطى مع كل ما هو مغاير فى التفاصيل، مؤمنا بالتنوع، معتزا بجذوره.
نعم موكب الحضارة، الذى عشناه قبل يومين، سوف يزيد من مساحة الرؤية لعمقنا الفرعونى، وعندما يعود مجددا أسماء (لوتس وهاتور) وأخواتهما، فإن هذا يعنى مؤكد الكثير من الإيجابيات عند تحليل كل الظلال لو أجدنا حقا قراءة كل الإيحاءات