بقلم : طارق الشناوي
على مدى يقترب من أربعة عقود استطاع المطرب اللبنانى راغب علامة أن يحتل مكانة مميزة على خريطة الغناء العربى، يمنح عقله دائمًا الحرية فى اختيار القرار، لا يجرى وراء ترديد ما تعارف عليه الناس من كلمات محفوظة سابقة التجهيز، لا يبحث عن الإجابة النموذجية، كثيرا ما نعتقد أن هناك إجابة واحدة صحيحة ومعتمدة لكل سؤال وباقى الإجابات تدخل فى باب الشطط، وهذا هو بداية فقدان الثقة بالنفس.
عندما قالت له سمر يسرى فى برنامجها (يوم ليك) على قناة (الحياة): ما رأيك فى أغانى المهرجانات؟ أكد أنه ليس لديه مانع عن غنائها ولا يجد فيها أى تردٍّ، وأن المنع سيؤدى لمزيد من الانتشار، ولم يكتف بهذا القدر بل قام بغنائها وشاركته سمر.
تعودنا عندما يفاجئنا النجاح ونعجز عن إيجاد تفسير نلجأ إلى استخدام شماعة الإسفاف والتردى، وفى العادة يرتاح الجمهور لهذه التأويلات الأخلاقية، حتى لو كانت الحقيقة غير ذلك تمامًا، إنه التوجس الذى صار يسبق المنطق، نبحث أولًا عن سبب غير مشروع مستبعدين أن المجتمع يملك ذائقة يجب علينا احترامها.
كنت ألاحظ فى الأشهر الأخيرة أن المطرب العربى عندما يسألونه عن أغانى المهرجانات يخشى أن يذكر رأيه الحقيقى خوفًا من غضب نقيب الموسيقيين هانى شاكر الذى خاض معركة ساخنة وسخيفة معهم، معتقدين أن عليهم ألا يغضبوا النقيب وهم يمارسون الغناء على أرضه؛ ولهذا يوجهون الانتقادات لأغانى المهرجانات.
بينما، راغب بذكاء قال إن هانى لديه دوافعه، إلا أنه لا يتبنى أبدًا هذا الرأى، التعامل مع النجاح يجب أن يدفعنا لتغيير المعايير الصارمة التى دأبنا على استخدامها، عدد من الأغانى التى نصفها بالجادة بدأت مجرد نكتة.
لديكم (أحضان الحبايب) التى نضعها على قمة أغانينا الجادة، تأليف عبد الرحمن الأبنودى كتبها أساسًا للسخرية من الأغانى التى يعتبرها عبد الحليم عنوانه فى الرومانسية، وكان يكتفى من عبد الرحمن بغناء الشعبى مثل (أنا كل ما أقول التوبة) والوطنى مثل (ابنك يقولك يا بطل) فأراد الابنودى السخرية مما يغنيه عبدالحليم فكتب المقطع الأول (مشيت مشيت على الأشواك / وجيت لأحبابك) فطلب منه حليم أن يستكملها، وعلى الفور، تواصلا مع محمد الموجى للتلحين، فصارت واحدة من أشهر رومانسيات عبد الحليم، البدايات قد تُسفر عن نهايات أخرى.
سألونى قبل أسابيع: ما الذى كان سيفعله عبدالحليم لو تواجد فى زمن المهرجانات؟ جاءت إجابتى: سيغنى مهرجانات بأسلوب عبدالحليم، فهو لا يتوقف أبدًا عن متابعة الحياة الفنية.
حتى لو أدى ذلك إلى أن يسرق أغنية ليست له مثلما فعل مع (على حسب وداد جلبى يا بوى) التى كان بليغ حمدى لحنها بالفعل للمطربة إلهام بديع المشهورة بـ( يا حضرة العمدة ابنك حميدة حدفنى باستفاندية)، يراها البعض وسيلة غير مشروعة، إلا أنها تُثبت أن تأمل النجاح والسعى إليه هو ما يمنح المطرب الاستمرار على الساحة.
راغب مثل عمرو وكاظم ومنير، لا يتوقفون عن المتابعة واختيار النغمة الصحيحة، وقبل ذلك الإنصات لذوق الناس، وهو لا يعنى بالضرورة تقديم بالضبط ما يريده الناس، ولكن فى الحد الأدنى الوقوف على مسافة واحدة بين ما يريده الجمهور وما يرنو إليه الفنان، ولهذا غنى ابن الجيران (بنت الجيران).