عبد الرحمن الراشد
منذ أكثر من عامين كنا نعلم عن دور النشاط العسكري الروسي في منع انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، تحت اسم وخبراء ومستشارين وشحنات أسلحة لم تنقطع. التدخل الروسي حينها تزامن مع شبه غزو إيراني لسوريا لا سابقة له، حيث تولى جنرالاتها وقوات من حرسها الثوري معظم المهام القتالية على الأرض، مع جيش من ميليشيات مستوردة من حزب الله اللبناني، وأخرى أفغانية وعراقية. إرسال القوات الإيرانية كان للتعويض عن هروب أكثر من نصف جيش الأسد، وفقدان الثقة في النصف المتبقي، الذي لم يعد يزود إلا بالقليل من الذخيرة والوقود حتى لا يهرب بأسلحته. الروس كانوا في الخطوط الخلفية والإيرانيون في الخطوط الأمامية.
إذن ما الجديد؟
التقارير الأميركية الأخيرة أظهرت نشاطًا روسيًا جديدًا وكبيرًا، حيث أرسلت موسكو تطلب كميات كبيرة من أذونات المرور لقواتها الجوية لعبور الأجواء إلى سوريا، بما يوحي بجسر جوي ضخم. أيضًا، تم رصد جلب وحدات إسكانية كبيرة تستخدم للعسكريين الروس جرى شحنها لمناطق مثل اللاذقية، وخدمات لنحو ثلاثة آلاف عسكري روسي وقاعدة جوية.
والسؤال الأهم: لماذا؟
الروس يحاولون التقليل من خطورة نياتهم، بأنهم ليسوا بصدد غزو سوريا، وما يحدث استمرار لاتفاقية الدفاع الموقعة مع نظام الأسد في إطار التدريب والاستشارات ومبيعات السلاح. لكن الرقم والنشاط أكبر بكثير مما تدعيه موسكو، مما يجعل أفعالها أكبر من أقوالها!
قد ترى روسيا في الوضع الجديد فرصة ثمينة. فالحشد الدولي، والأميركي تحديدًا، لمقاتلة تنظيم داعش يفتح لها فرصة ستستغلها لتغيير الوضع القائم بشن حرب واسعة تقضي على المعارضة السورية الوطنية المعتدلة، وتصبح فيه القوات الإيرانية والروسية تسيطر بشكل تام على الوضع، والأسد أصلاً لم يعد سوى مجرد ورقة توت لأن إيران هي من تحكم سوريا اليوم. وموسكو تريد تحقيق ما فشلت في تحقيقه بترتيب حل سياسي، ومفاوضات هدفها دائمًا كان فرض عودة الأسد حاكمًا، نفس الهدف الإيراني الذي فشل خلال عامين من الحروب ضد كوكتيل من المعارضة المسلحة، وضد الجماعات الإرهابية التي تقاتل الجميع! ونظرًا لأن الحشد الدولي الذي بناه الأميركيون لا يهدف إلا إلى ملاحقة التنظيمات الإرهابية، فإن الروس والإيرانيين يريدون تصفية المعارضة الوطنية. والاستيلاء على سوريا المهمة جدًا لحكم العراق. وبالتالي، نحن على وشك الدخول في فصل جديد وخطير من الحرب السورية. ومحاولات واشنطن لإحراج موسكو بالكشف عن معلومات التدخل الروسي وطلبها من دول مثل اليونان عدم الإذن لطائرات النقل العسكرية الروسية بالمرور عبر أجوائها لن يوقف الروس والإيرانيين عن استغلال الحرب على «داعش» لصالح أهدافهم بالاستيلاء على سوريا.
لماذا يكون خطيرًا وسوريا فعليا اليوم بركة دماء ضخمة وساحة اقتتال لنحو مائتي ألف شخص من جنسيات مختلفة، يحاربون على الجانبين، مع نظام الأسد، ومع «داعش» و«النصرة» وغيرهما.
دخول روسيا كقوة محاربة في سوريا سيؤلب العالم العربي والإسلامي، ويعيد ذكرى أفغانستان. ستكون مثل السكر للذباب. سيدفع تدخلها بالمزيد من الآلاف من الشباب للانخراط في تنظيمات متطرفة إرهابية دفاعًا عن إخوانهم السوريين. ولن يعود حينها لدول، مثل الولايات المتحدة، حجة لإقناع العالم بمحاربة الجماعات المتطرفة. ولن يكون ممكنا طمأنة مخاوف دول الشرق الأوسط من الحلف الإيراني الروسي الذي يريد السيطرة التامة على العراق وسوريا ويهدد أمنها ومصالحها.
لقد استغل الإيرانيون رغبة الجانب الأميركي الجامحة طوال السنتين الماضيتين في مفاوضات البرنامج النووي بالتمدد في المنطقة وتوسيع الفوضى والحروب. حتى لا تفسد المفاوضات حرصت الإدارة في واشنطن على عدم مواجهة طهران، أو حتى انتقادها، وهي ترسل قوات لأول مرة خارج حدودها للقتال في هذين البلدين! ولو أن الصراع في سوريا بقي سوريًا سوريًا، لكانت الأمور قد حسمت منذ فترة طويلة، إما بتراجع نظام الأسد عن عناده والقبول بالحل السياسي، كما تصوره اتفاق جنيف الأول، أو بانهيار ما تبقى من النظام العليل الذي يمثل أقلية صغيرة من السوريين، وتشكيل نظام سياسي جامع لمكونات سوريا.
إنما بدخول القوات الروسية في الحرب السورية ستدخل المنطقة فصلا أوسع من الصراع.