عبد الرحمن الراشد
مواجهة البغض المتزايد ضد العرب والمسلمين في أنحاء العالم مهمة صعبة جًدا٬ ليس لعدم وجود القدرة على القيام بها٬ بل السبب أبسط من ذلك؛ لا توجد حكومة٬
أو جهة٬ تعد نفسها معنية ذاتًيا بالموضوع٬ رغم أن الضرر يصيبها كما يعم على العرب والمسلمين٬ حكومات وجماعات.
ماذا عن المنظمات الإسلامية الحكومية والشعبية؟ هي الأخرى ليست معنية بشكل محدد٬ أو لأنها تتبع حكومات متعددة أو في وضع سياسي قد لا يسمح لها بذلك٬ وكذلك المؤسسات غير الحكومية التي ليس من مهامها الانخراط في مشاريع توعوية ولا مواجهة العنصرية. والمشكلة مشابهة لما يواجهه من هم من أصول أفريقية في الولايات المتحدة٬ وكذلك اللاتينيون٬ أي ذوي
الأصول الإسبانية.
وقد تجتهد بعض المنظمات غير الحكومية في تولي قضاياهم٬ والدفاع عن حقوقهم٬ وحثهم على الاهتمام بالعمل السياسي المشروع لخدمة مجتمعاتهم٬ والتعبير عن حاجاتهم٬ لكن لا يعرف لها نجاحات كبيرة. أما بالنسبة لليهود في الغرب٬ وتحديًدا الولايات المتحدة٬ فإن عددهم ليس كبيًرا٬ وفي الوقت نفسه وعيهم بأهمية العمل الجماعي متطور٬ كما أن إسرائيل تعد نفسها شريكة في المسؤولية تدافع عن حقوقهم٬ وفي المقابل بعضهم يدافع عن احتياجاتها.
أما في حال العرب والمسلمين٬ أو من يتحدرون من أصولهم٬ ورغم ازدياد الكراهية ضدهم فإنه لم يتصد لها إعلاميا سوى قلة يعملون باجتهادات محدودة٬ وغير مستمرة٬ ولا تكفي وحدها للقيام بكل المهمة الثقيلة.
وما قد يزيد الوضع صعوبة أن هناك جمعيات ومراكز٬ خصوصا الإسلامية التي تشتغل في العمل السياسي٬ يشوبها شائبة٬ كأن تنتمي لتنظيمات مثل «الإخوان المسلمين»٬ وهذه ليست مشكوًكا فيها فقط من الغرب٬ بل أيًضا مرفوضة من عدد من الحكومات الإسلامية نفسها.
وكثير من مشاعر البغض ضد العرب والمسلمين طارئ٬ من نتاج أفعال تنظيمات إرهابية مثل «القاعدة» و«داعش»٬ ونتاج سلسلة طويلة من الأعمال المحسوبة على العرب والمسلمين ممن يؤمنون بالفكر المتطرف٬ ويعبرون عن مواقفهم عبر وسائل الإعلام٬ ووسائل التواصل الاجتماعي. وفي المقابل لا توجد هناك مؤسسات ُتعّرف بالأغلبية الصامتة من العرب والمسلمين التي ترفض الفكر المتطرف٬ ولا توجد مؤسسات ترد على المنظمات والأفراد الذين يروجون لخطاب الكراهية ضد العرب والمسلمين.
ونتيجة للجمود السياسي والتوعوي من الطبيعي أن تتسع المواجهات الفكرية والكلامية بين المتطرفين من الجانبين٬ وضحيتها دائًما عرب ومسلمون مسالمون يؤمنون بالتعايش والاحترام. والضرر ليس مجرد خدش في صورة أو إهانات في العلن٬ بل الإضرار كبير على الحكومات مثل الأفراد٬ على سياحتها٬ وسياحها٬ وصادراتها٬ ومواطنيها٬ وطلابها المبتعثين٬ ومواقفها السياسية٬ وعلاقاتها بمعناها الأوسع. ونلمس كيف يزداد الأذى في أوروبا٬ وكذلك في الولايات المتحدة. ولا أعلم كثيًرا عن حجم الضرر الذي أصاب صورة وسمعة وعلاقات العرب والمسلمين في المناطق خارج المواجهة٬ في دول مثل كوريا الجنوبية٬ والصين٬ واليابان٬ ودول أميركا الجنوبية٬ لكن أتصور أن الوضع مشابه بسبب شيوع المشكلة٬ وانتشار وسائل التواصل بحيث قلما يوجد بيت في العالم من دونها.
هذه هي الحال٬ ولن يكون سهلاً معالجتها ما دام لا أحد يعدها قضيته ويأخذ المبادرة٬ من حكومات أو مؤسسات٬ من أجل العمل على إصلاح سمعة الإنسان العربي والمسلم٬ وهذا يشمل أيًضا٬ عرب ومسلمي الدول الغربية الذين يمكن أن يلعبوا دوًرا إيجابًيا في هذا الموضوع وغيره من قضايا العلاقات الثنائية والجماعية المشتركة.
يمكن توجيه العمل أولاً نحو العرب والمسلمين المقيمين في أوروبا بالدرجة الأولى٬ والولايات المتحدة وبقية الدول بالدرجة التالية٬ من أجل توعيتهم بأهمية العيش المشترك واحترام الثقافات٬ والتعاون معهم على محاصرة الفكر المتطرف. ومن جانب آخر العمل بشكل واسع لنشر صورة الإسلام الحقيقية التي أنجبت حضارة قديمة رائعة٬ وعرفت بفكرها المتسامح وثقافاتها المتعددة وفنونها وعمارتها وعلومها.