عبد الرحمن الراشد
للخلاف الطارئ قصة. في البداية كانت كل الأطراف متوافقة على محاربة «داعش» وجبهة النصرة، التنظيمين الإرهابيين، وذلك في إثر الانتصارات السريعة التي حققها «داعش» في العراق. والمعني بالأطراف هنا، إيران، والولايات المتحدة، والمجموعة الأوروبية، وروسيا، ودول الخليج، وتركيا. وفعلا، بان التوافق في الانتقال السياسي السريع المدهش في بغداد، الذي كان يمكن أن تدوم أزمة الحكم هناك لأشهر طويلة، لكن في أقل من أسبوعين أزيح المالكي، وارتضى الجميع تنصيب ثلاثة رؤساء. وبعدها باشرت القوات الأميركية عملياتها العسكرية الجوية ضد «داعش»، وأخرجت مقاتليه من محيط سد الموصل وسنجار وفروا إلى مناطق أعمق في العراق وسوريا.
إنما تلك كانت مجرد معارك محدودة، و«داعش» يملك من الرجال والعتاد ما يجعله يعود ليهدد أمن العراق والمنطقة، وربما العالم. لهذا قررت الدول المعنية عقد مؤتمر، خصيصا لمواجهة الخطر الأمني لأنه يهمها جميعا، فتركيا مثلا لا يزال لها عدد من موظفي قنصليتها في العراق مخطوفين عند «داعش» يهدد بقتلهم. والسعودية تعرف أنهم يختبئون خلف حدودها على الجانب العراقي. كما أدركت أوروبا أن مئات المقاتلين هم من حملة جنسياتها، وسيعودون غدا مدربين ويشكلون خطرا عليها، وروسيا كانت من أوائل المتحمسين لمحاربة «داعش» والنصرة.
لكن مع اقتراب عقد المؤتمر طالبت الحكومة الإيرانية بدعوة النظام السوري أيضا للمشاركة، وكان من الطبيعي جدا أن ترفض السعودية، الدولة المضيفة، الطلب. فنظام الأسد هو السبب وهو المشكلة، فلو أنه ارتضى بالحل السلمي الذي أقر في مؤتمر جنيف الأول لما ولد «داعش» أصلا، ولا صارت هذه الفوضى والدماء الغزيرة وملايين اللاجئين. وهو الذي فتح السجون لمعتقلي «القاعدة»، وهو من سلم «داعش» المناطق السورية الضعيفة التي عجز عن حمايتها لضرب الجيش الحر. وفوق هذا كله، إذا كان «داعش» قد قتل خمسة آلاف شخص، حتى الآن، فإن الأمم المتحدة قد وثقت مائتي ألف ضحية معظمهم مدنيون قتلهم النظام السوري. وبالتالي لا يمكن التعاون مع فريق ملطخة يداه بالدم مثل نظام سوريا ليشارك في محاربة الإرهاب!
ومع هذا أصر الإيرانيون، مشترطين أن حضورهم مرهون بمشاركة نظام الأسد، وتضامن معهم الروس معلنين مقاطعتهم لمؤتمر مواجهة «داعش».
ومنذ تلك اللحظة تغيرت اللغة الاحتفالية التي كانت تبشر بمواجهة الإرهاب إلى الدفاع عن «داعش»، بتصوير المؤتمر أنه حرب على الشعبين العراقي والسوري، وأنه مشروع احتلال جديد، وغيره من الهراء الذي ملأ فضاء الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية.
وهذا يجعلنا نثق أكثر من ذي قبل بأن بقاء «داعش» يخدم نظامي إيران والأسد، وتحديدا في سوريا وليس في كل العراق. ففي لحظة حرجة، بعيد سقوط مدينة الموصل، خاف كثيرون أن تكون بغداد هي التالية، لهذا احتاجوا إلى دعم الولايات المتحدة عسكريا، والمملكة العربية السعودية سياسيا لإنقاذ النظام العراقي في العاصمة.
الآن تسمعون صدى طبول الدعاية الإيرانية في الصحف والتلفزيونات و«تويتر» وغيرها من الفضاءات المفتوحة، تردد نغمة التشكيك وتشويه الحقائق. تصوير مواجهة «داعش» أنه عمل يخدم الغرب، وهذه استعارة من التاريخ القريب تسهل عليهم تزوير الواقع. الحقيقة هي أن دول المنطقة منذ عامين ظلت تناشد المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، التعاون لمواجهة هذه الجماعات الخطيرة، وبكل أسف كان البيت الأبيض يرفض. وبعد أن انتشرت فظائع «داعش» والنصرة، وقُتل آلاف من المدنيين وشُرد مئات الآلاف على اختلاف طوائفهم وهوياتهم، وتحت الضغط الدولي اضطر الرئيس الأميركي للتحرك. والذي يخاف من هذا التحرك الدولي هما إيران ونظام الأسد، لأن «داعش» يلعب دورا مخربا على الثوار في سوريا، وثانيا لأن الأميركيين اقتنعوا لأول مرة بأن دعم الجيش الحر قد يكون السبيل الوحيد لتأسيس نظام سياسي يحارب الإرهاب، بديلا عن نظام الأسد المهترئ. لهذا قررت إيران وروسيا شن حملة بروباغندا إعلامية مضادة لتشويه مؤتمر جدة، وتشويه الحملة الدولية التي هي تحت التأسيس ضد الإرهاب، وصارت كتائب حزبية تردد الدعاية الإيرانية مثل الإخوان المسلمين وغيرهم.