بقلم : عبد الرحمن الراشد
نحن موعودون بحل ما للحرب في سوريا، من التصريحات الصادرة من لقاءات قمة زعماء الدول العشرين. المصطلح الجديد اسمه «حل للعنف» في سوريا، وهو ليس حلاً سياسًيا، ولا مصالحة بين القوى السورية، بل أسلوب علاج لتضميد أزمة تنزف بخطورة. الرئيس الأميركي باراك أوباما اعتبر روسيا المفتاح والبقية لا قيمة لها، قال: «جمع كل القوى على الأرض في سوريا صعب، ولكن المحادثات مع الروس أساسية»، وإن الحل في محاصرة العنف!
حل للعنف.. كيف؟ هل يمكنهم مصادرة بنادق مئات آلاف من المسلحين؟ هل يمكن تسريح المقاتلين مثل الجيوش النظامية؟ هل الرئيس السوري مستعد لترك الحكم؟ ما هو هذا العنف؟ وكيف يعمل اليوم؟ وكيف يمكن وقفه؟ دون ترتيبات سياسية تجيب عن الأسئلة الصعبة لن يتوقف العنف، فقط لأنه اتفق مع الروس لن يعترض أحد على وقف العنف إن كان ذلك يحقن دماء السوريين لا دماء قوات الأسد والإيرانيين والروس على ذلك. وحدهم، هذه اسمها استراحة من العنف، ولن تدوم طويلاً. فبوادر الحل، إن كان صحيًحا ما نسمع عنها، تقومعلى الاعتراف بالأمر الواقع والاستسلام لحكم النظام الحالي، رغًما عن خمس سنوات من القتل والتدمير والتهجير.
في المقابل، هل الشعور الحالي بالإحباط يعبر عن حقيقة ما يدور على الأرض؟ بأنه لم تبق هناك معارضة سورية مسلحة حقيقية، منذ أن تم تدجينها وإلحاقها بقوات الدول الرئيسية المقاتلة هناك. «الجيش الحر» استخدمه الأميركيون لضرب «داعش»، والأتراك يستخدمون «الجيش الحر» أيًضا لمقاتلة التنظيمات الكردية في الشمال. يقال: لم تعد هناك معارضة سورية مسلحة تقاتل عدوها الوحيد، أي قوات نظام الأسد وحلفاءه، وأن من يقاتل الأسد والإيرانيين ويسقط طائرات الروس هم مقاتلو الجماعات الإرهابية من «داعش» و«جبهة النصرة»، ومعظمهم غير سوريين، عرب وغربيون ومن أواسط آسيا. هل هذا التوصيف يعبر عن الواقع على الأرض السورية؟
حال المقاومة السورية صعب، لكن لمُيقَض عليها وليست مهزومة. عشرات الآلاف من السوريين اختاروا مواجهة قوات نظام الأسد والإيرانيين والروس، وما جلبوه معهم من ميليشيات، ولا يزالون يحاربون في مناطقهم دفاًعا عن قضيتهم وأهلهم. ولو لم يكونوا حقيقيين ويقاتلون لبسط النظام سلطته على معظم سوريا، فكل منسوبي التنظيمات الإرهابية من الأجانب يقدر عددهم بخمسة آلاف.
ورغم انتكاسات المقاومة السورية، سواء بسبب تراجع الدعم لها من قبل الدول الحليفة، وإغلاق الحدود في وجهها شمالاً وجنوًبا، لا تزال على الأرض تقاتل بشراسة. ولم يحقق النظام نجاًحا حتى مع الدعم الهائل من إيران وروسيا، والضغط الدولي والإقليمي على المعارضة.
الحرب لا تزال كبيرة ومنتشرة على معظم الأراضي السورية، ولا يبدو في الأفق سلام ولا هزيمة. وتباشير الحل الجديد الذي نسمعه فقط لأن واشنطن تريد إنهاء العنف دون حل المشكلة، مثل النعامة التي تدفن رأسها في الرمل. وبالنسبة للرئيس أوباما فهو يوشك على مغادرة الرئاسة بعد اثني عشر أسبوًعا، ويرغب في إنهاء العنف كيفما اتفق، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باٍق، وكذلك آية الله خامنئي في حكم إيران، يريدان حلاً واحًدا: إخضاع السوريين.
في قمة العشرين، في هانغتشو الصينية، يريدون حلاً، والذي يمكنهم الاتفاق عليه هو مقاتلة «داعش» وشقيقاته الإرهابية، ومنح تركيا أيًضا الحق ذاته، بمقاتلة التنظيمات الكردية المعادية لأنقرة، والتخلي عن المعارضة السورية دون تغيير في الموقف السياسي. الحل المطروح هروب من الواقع، يعطيهم الشعور بأن القضية السورية ستذبل تدريجًيا وتنتهي مع الوقت. ويعتقدون أن اختصار الأزمة في كلمة واحدة «العنف»يبسط المهمة على المتفاوضين، وستكون نتيجتها النهائية بفرض الأسد حاكًما من جديد، رغم أنه قتل نصف مليون من مواطنيه في سوريا، وشرد 12 مليون إنسان في أنحاء العالم، ورغم أن الحل يمنح إيران الهلال الجغرافي العربي كاملاً، العراق وسوريا ولبنان!