بقلم : عبد الرحمن الراشد
بشكل صريح كشف وزير خارجية قطر عن قلق حكومته، لأول مرة، من أن هدف الدول الأربع من هذه الأزمة هو تغيير نظام الحكم في الدوحة! في حين بقية المسؤولين القطريين ووسائل الإعلام الرسمية كانت تعبر على الدوام عن قناعتها بأن الهدف هو تغيير سياسة الحكومة وأفعالها، وترد متحدية بأنها لن تفعل.
الفارق بين الاستنتاجين كبير، فهل الدول الأربع حقاً تسعى لتغيير النظام أو أم تغيير سلوك قطر؟
المؤكد أن العلاقة بين الجانبين سيئة جداً لتصل إلى هذه المرحلة التي لا سابقة لها، حتى في تاريخ التوتر السياسي في المرات الماضية، وهذا يفترض أن يدفع قطر لقراءة متأنية للرسائل التي تبعث بها الحكومات المصرية والسعودية والإماراتية والبحرينية. وعندما تلتبس على الحكومة القطرية المعاني من وراء الرسائل، مدركين أن الدول قلما تبوح بما تعني، وتعتمد عوضاً عن المصارحة على قواعد متعارف عليها في اللغة الدبلوماسية ذات درجات مختلفة للتعبير عن نفسها.
وقد ظهر التشويش والارتباك في الدوحة منذ الأسبوع الأول بعد إعلان القطيعة، حيث استدعت الحامية التركية وتواصلت مع واشنطن لتستكشف موقفها، على اعتبار أنها تستضيف قاعدتيها العسكريتين، وسرعت من وتيرة التعاون مع إيران في قراءة تقول إنها تخشى عملاً عسكرياً. وبعد مرور نحو شهر ركزت قطر على المواجهة الإعلامية، بدلاً من التحصن العسكري، للرد على الاتهامات التي لم تعتَد على سماعها في الماضي، من اتهام بالإرهاب الدولي إلى العمل على زعزعة الدول العربية الأخرى. وهي تهم خطيرة اشتركت في قذف قطر بها دول مهمة منها الولايات المتحدة.
ورغم حديث وزير الخارجية في مركز تشاتم هاوس في لندن، عن مخاوفه من الرغبة في تغيير النظام، لا نرى ولا نسمع عن حشد عسكري على حدود قطر، ولا مناورات في جوارها، ولم تصدر تهديدات بأي عمل ضدها باستثناء المقاطعة، التي هي لغة تعبير عن درجة الخلافات بين الدول لا ترقى إلى الاتهامات التي ساقها الوزير القطري.
وامتناع الدول الأربع عن التعامل مع قطر، أي المقاطعة، أو كما تسميه الدوحة بالحصار، لا يمكن أن يكون هدفه إسقاط نظام الحكم لأن قطر ليست محاصرة. وقد صار ادعاؤها المعاناة محل سخرية، فالميناء والمطار يعملان، وأرفف بقالاتها مكدسة بكل أنواع المواد الغذائية، بما فيها الفاخرة من السالمون والكافيار! وتستطيع قطر بطائرتي شحن عملاقتين يومياً سد حاجات السكان من الأغذية والأدوية بيسر وسهولة. أنت لا يمكن أن تسقط حكومة بمقاطعتها اقتصاديا، وهي تملك مائة وسبعين مليار دولار في البنوك الخارجية، أي بما يعادل ميزانية دولة كالأردن لنحو 15 عاماً!
إذن ما الهدف من كل هذه القرارات، وكل «هالجلبة» التي رافقتها؟
غضب الدول الأربع يعبر عن معظم دول المنطقة، حيث باتت ترى في قطر خطراً على أمنها واستقرارها، لأنها لم تكف منذ سنوات عن نشاطاتها المبرمجة لإدارة عمليات التغيير السياسي، ودعم جماعات إسلامية متطرفة، وفِي أحايين كثيرة محاولة إيصالها إلى الحكم بقوة السلاح والإرهاب، في مصر على سبيل المثال، أو سعيها فرض الجماعات الإرهابية والمتطرفة في المناطق المضطربة مثل ليبيا وسوريا، بتفضيلهم على الجماعات السياسية المسلحة المعتدلة. وقد كانت هناك آمال كبيرة أن تتبدل سياسة قطر العنيفة الداعمة للجماعات الإسلامية المسلحة وسياسة التدخل في شؤون الغير عندما تخلى الأمير السابق حمد بن خليفة وتولى ابنه الشيخ تميم الحكم بعده. كان هناك تفاؤل إيجابي أننا أمام قطر جديدة، على خطى غيرها من دول الخليج بالتفرغ للتنمية المحلية، لكن أربع سنوات مرت برهنت على أن تغيير الكراسي لم يغير المشروع السياسي.
أتصور أن أهداف الدول الأربع من المقاطعة ذات نتائج سريعة وأخرى لاحقة. قطر بسبب ما حدث وجدت نفسها في عين العاصفة، لأول مرة في تاريخها. قطر صارت تحت المجهر الدولي تتم مراقبتها في ضوء الاتهامات الخطيرة بتمويل ودعم الإرهاب. قطر صارت شبه وحيدة في الساحة الدولية حيث لم تقف إلى جانبها سوى تركيا التي تعرف قطر أنها ستميل حيث تميل مصالحها كما فعلت مع روسيا وإيران. قطر ارتفعت كلفة نشاطاتها المالية والسياسية. والأخطر من هذا كله قطر أصبحت سلطة سيئة السمعة، حتى في داخلها وبين أهلها، بل وفي أسرتها الحاكمة، التي ستضعفها مع مرور الوقت واستمرار المواجهة الخارجية.