بقلم : عبد الرحمن الراشد
فقط لأن فريقه خسر انتخابات بلدية ألغى تاريخ ودور السعودية في عشر سنوات حافلة وخطيرة! صعب أن أصدق أن هذا نهاد المشنوق، وزير الداخلية والبلديات اللبناني، السني، الحريري! كل هذا من أجل تبرير هزيمة انتخابات بلدية، فقط!
بعد خسارة فريقه في طرابلس أمام منافسه السني الآخر، أشرف ريفي، وبدلا من أن يتحمل المسؤولية،
هاجم المشنوق السعودية والملك عبد الله، رحمه الله، قائلا إنهم من يلامون على ما طرح من انتقادات في الانتخابات ضد سعد الحريري. وكل هذا الانقلاب من أجل تبرير هزيمة في انتخابات بلدية!
بعيدا عن الوفاء والمروءة والنبل، وأي من القيم الحميدة، كّنا نتوقع من أخينا نهاد، ومن معه، على الأقل شيئا من الأمانة للتاريخ، وأنا أعرف أنه لن يستطيع أن يقنع معظم اللبنانيين، بمن فيهم السنة، بما قاله ضد السعودية وملكها الراحل، لأننا نتحدث عن تاريخ لم يطو ملفه بعد. فقد كانت هي الدولة، شبه الوحيدة، التي وقفت إلى جانب بلاده، وساندت فريقه السياسي، وبسببه عرضت مصالحها للضرر والخطر سنوات طويلة!
والصديق الوزير المشنوق أكثر اطلاعا من أن يصدق كلامه عندما لام السياسة السعودية على الانتكاسات التي تعرض لها رئيسه سعد الحريري خلال السنوات الماضية. وأفترض أنها انفعالات اللحظة، لحظة فضيحة الهزيمة في طرابلس. فالملك عبد الله، تغمده الله برحمته، شخصية مهمة في تاريخ المنطقة، وأفترض أنه من أهم الشخصيات التي ستذكر إيجابا في تاريخ لبنان. فقد كان الزعيم، شبه الوحيد، الذي وقف مع الشعب اللبناني، بعد أن استهدفه النظام السوري وحلفاؤه ونفذ أكبر حملة اغتيالات وتصفيات وإقصاء لقياداته السياسية، وأولهم المرحوم رفيق الحريري. ورغم ما يردده نهاد، وغيره، فإنه لم يكن للأميركيين والفرنسيين الدور المحرك، ومن المألوف أن يتعاملوا ببرغماتية مع الواقع الجديد، بالقبول بهيمنة مطلقة للأسد، لولا أن
الرياض تبنت القضية اللبنانية، واعتبرتها قضية محورية، ورفضت محاولات كثيرة لحرف المواجهة مع دمشق.
كل ما أعقب تلك الأحداث الرهيبة، كان للرياض، والملك الراحل شخصيا، الدور الفاعل، من إخراج قوات النظام السوري من لبنان، إلى إصدار سلسلة قرارات مجلس الأمن، ثم تأسيس المحكمة الدولية، ودعم رؤساء الحكومات عندما تولتها قيادات «14 آذار». كان النظام في سوريا، وحليفاه إيران و«حزب الله»، يجزمون أنهم باغتيال القيادات الرئيسية، يقضون على جيوب الرفض، ويصبح لبنان قضاًء ملحًقا بهم، خاصة بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب.
نهاد، يعرف أنه كان بإمكان السعودية، والملك الراحل شخصيا، أن يكتفي بإرسال برقيات عزاء لأهالي الضحايا ويدع اللبنانيين لمصيرهم. هكذا عادة تسير الأحداث في منطقتنا، لا أحد يرغب في تحدي قوى المنطقة المتنمرة بما قد تجلبه من مخاطر وأزمات، لكن الملك استمر يدافع عن القضية اللبنانية حتى وفاته.
ثم إن موقف الرياض كان وراء تحريك القوى الحليفة، واشنطن وباريس والقاهرة وعمان، واستصدار قرارات ضد الوجود السوري الذي أنهى احتلال نظام الأسد ثلاثين عاما للبنان، وكان وراء تشكيل جبهة دبلوماسية عريضة تحاصر نظام الأسد في الجامعة العربية، والأمم المتحدة، وأوروبا، والولايات المتحدة، ودامت سنوات على مستويات دبلوماسية وقانونية واقتصادية وأمنية وإعلامية. وسعى الأسد مرات، عبر وسطاء كثر، لإقناع الرياض بالتخلي عن موقفها وعن حلفائها. كما مارس أساليب شتى مع الملك الراحل من الإقناع بالبراءة، إلى التهديد، إلى الشتائم البذيئة ضده شخصيا، لكن الرياض ما بدلت موقفها. وحتى في داخل تيار «14 آذار»، قياداته ومحيطه، كان للرياض أدوار ليس هذا الوقت والمكان للحديث عنها.
حتى يبرر هزيمة انتخابات بلدية انتقى نهاد ما شاء من عشرات الأحداث لوضع اللائمة على الآخرين دون شرح الظروف التكتيكية، أو الوقتية، التي رافقت تلك المناسبات، بما فيها زيارة سعد الحريري لدمشق ضمن وعود هو شخصيا قبل بها، وكذلك قمة الكويت الشهيرة. كان للملك موقف صارم لكن هذا لم يمنع، على مدى سنوات الصراع، التعامل مع ضرورات الحركة السياسية التي تطلبت مواقف مؤقتة.
التنافس بين القيادات السنية اللبنانية الذي انفجر أخيًرا ليس جديًدا، كان دائًما موجودا ويعبر إيجابيا عن حياة سياسية مدنية أصيلة، لكنه لا يستوجب رمي الاتهامات على الآخرين لتبرير هزيمة بلدية. في الفضاء السياسي اللبناني تتمتع القيادات السنية والمسيحية بتنوع يعبر عن ناخبيها، الذين لا يشعرون بأنهم محكومون بقوة خارجية أو قدسية لقيادات معينة، كما هو الحال في الطائفة الشيعية التي تهيمن عليها القوى الإيرانية. ولا أحد يتوقع من «المستقبل» أن يبرر هزيمته، بحرق جسوره والإساءة لحلفائه، من أجل مكاسب شكلية وهامشية. بدلا من الإساءة للسعوديين المتوقع من فريق الحريري أن يعمل على الأرض ليستعيد ثقة الناس