عبد الرحمن الراشد
حسن روحاني، الرئيس الإيراني الجديد، مستمر يوزع هداياه، (تصريحاته الوردية). قال شعرا في السعودية، إنها بلد صديق وعزيز، وإنه ينوي التفاوض على المشروع النووي بما يطوي الخلاف مع القوى الغربية، وراغب في إصلاح ما أفسده سلفه الرئيس نجاد مع العالم، وتبرأ من نفيه المذبحة النازية لليهود، وهنأ الإسرائيليين بعامهم اليهودي الجديد!
إيران الروحانية ربما مجرد حلم شاعري في رأس الرئيس الجديد، أو أنها مشروع دعائي خبيث هدفه تمكين إيران من إنجاز ما تبقى من ملفاتها وبسببها أصبحت محاصرة، يريد رفع العقوبات الاقتصادية، وفك الحصار عن حلفائه مثل الأسد السوري وحزب الله وحماس.
سبق لمحمد خاتمي، الذي رأس إيران، أن وعد بإصلاح ما أفسده أربعة رؤساء حكموا الجمهورية الإسلامية، عاشت خلالها توترا مع جيرانها والغرب. أدبيات خاتمي الداعية للحوار والتصالح كانت معروفة قبل تقلده الرئاسة، وفي الأخير انتهت رئاسته بشكل مذل له وأتباعه، وتحولت إيران إلى دولة يحكمها الحرس الثوري الشرس مع القوى الدينية المتطرفة.
تلاه أحمدي محمود نجاد الذي رفع لواء إيران القوية، ووسع نفوذ الحرس الثوري فتغلغل في العالم العربي وباكستان وأفغانستان. نجاد رفض الضغوط الدولية، وسرع في مشروع السلاح النووي، لكنه اختتم رئاسته وبلاده تنتج ثلث ما كانت تبيعه من بترول، وتناقصت مداخيلها، وحوصر نفوذها في اليمن ولبنان وسوريا وغزة والسودان.
لا نستطيع أن نقول روحاني الذي يجلس على كرسي الحكم مثل خاتمي، فهو زعيم مختلف عن خاتمي أستاذ الجامعة، عمل في الاستخبارات والأمن القومي وتولى إدارة الملفات الصعبة. لا تنقصه المعرفة ولا الخبرة، لكن لا ندري حقا إن كان فعلا ينوي ويقدر على تغيير إيران، بالصيغة التي يتحدث عنها، أم أنه مجرد رئيس إيراني آخر. ما مدى نفوذه في أروقة السلطة في طهران، بين المرشد الأعلى الذي يملك مفتاح الجنة، والحرس الثوري الذي يملك مفاتيح السجون وغرف التعذيب؟ ولا نعرف بعد إن كان روحاني جاء بالاتفاق مع المرشد بمشروع يخرج إيران من ثلاثة عقود من العزلة الدولية، أم أنه قرر مع شركاء الحكم شن حملة علاقات عامة لإصلاح العلاقة مع الخصوم الكبار، مثل السعودية والولايات المتحدة، وتطبيب العلاقة المتوترة مع المسلمين السنة.
شخصيا، أشك كثيرا في قدرة، وربما نيات، روحاني في تغيير مسار النظام الإيراني المنغمس حتى أذنيه في سياسة عدائية للخليج والغرب. نحن نرى النظام محاصرا في الزاوية، وسيزداد حصاره مع اقترابه من تحقيق سلاحه النووي. وها هي أصوات إسرائيلية تدعو قيادتها بصوت مرتفع لضرب إيران، لأنه لم يعد مأمونا انتظار الوعد الأميركي بمنعها من تحقيق قنبلتها النووية، مستدلة على تقاعس الحكومة الأميركية عن تنفيذ وعدها بتأديب نظام الرئيس الأسد لأنه استخدم السلاح الكيماوي المحرم. ماذا سيفعل روحاني وقد أصبحت إيران الحامل بمشروعها النووي على وشك الولادة؟ ما الذي سيفعله عندما يسقط نظام الأسد وتقع اشتباكات أوسع مع بقية حلفائه مثل حزب الله وحماس؟
دون أن نسمع القيادات العسكرية والثورية الإيرانية، ورأس الدولة المرشد الأعلى، يقولون الشيء الذي يعلنه روحاني فإننا نبقى في شك في أن الرئيس الجديد، يردد أدبيات الرئيس الأسبق محمد خاتمي، أحاديث المحبة والتسامح والحوار في الوقت الذي كانت فيه قيادات الحرس الثوري تمارس نشاطها الإجرامي خارج الحدود الإيرانية، وفي الوقت الذي كان المهندسون يبنون المفاعل النووي ويخصبون اليورانيوم سرا تحت الأرض.
نقلا عن جريدة الشرق الاوسط