عبد الرحمن الراشد
أغلقت معظم الشركات أبوابها منذ أن بلغت نيران الثورة السورية ضواحي دمشق، وعمت الفوضى المدن الكبرى مثل حلب. وإقفال آخر مطعم لسلسلة «كي إف سي» الأميركية، التي تبيع وجبات الدجاج السريعة هناك، جاء دلالة أخرى على انهيار الوضع، حيث لا مال، ولا تمويل، ولا مستهلكين. لم يعد مطار دمشق يعمل إلا بربع طاقته، ولم تعد ترى على الطرق شاحنات النقل التي تحمل البضائع، لمطاعم مثل «كي إف سي». تقريبا، كل معابر الحدود البرية الرئيسة باتت محتلة من قبل الثوار، باستثناء بوابة لبنان معبر المصنع. والأتراك بدأوا ببناء جدار عازل مع سوريا خشية من منسوبي النظام وإرهابيي «داعش» و«النصرة».
ولم يكل النظام، حيث يقاتل بضراوة لاسترداد بعض المعابر الاستراتيجية، مثل بواباته مع العراق من أجل تأمين دخول السلاح والوقود، حيث لا يزال النظام العراقي الممول الأكبر له. والمعارك مستمرة بعيدا عن الحدود، من أجل استعادة الأحياء والضواحي المجاورة لطريق مطار دمشق، التي تسببت خسارتها خلال الأشهر الماضية في محاصرة الطريق الاستراتيجي وقطعه. وفي معظم أحياء العاصمة نفسها، لم يعد سهلا على الأهالي التنقل من حي إلى حي، ولا توجد هناك حياة حتى في مناطق يسيطر عليها النظام، حتى أغلقت المطاعم والشركات آخر فروعها.
هذا هو حال سوريا اليوم، والذين يريدون مفاوضة حكومة بشار الأسد عليهم أن يعرفوا حقيقة الوضع على الأرض، وكيف أصبحت دولة النظام مجرد عنوان بريدي افتراضي. طبعا، هذا لا يعني أن هناك نظاما بديلا يقوم مقامه، بل البلاد في حالة شبه فراغ إداري وسياسي. وبالتالي، كيف يعتقد البعض أنه يمكن لمؤتمر جنيف فرض قرارات على بلد بلا آليات إدارية وتنفيذية. ولولا أن المعارضة مقسمة إلى عشرات الكتائب غير المترابطة، لكانت اليوم تحتل وتدير جزءا كبيرا من التراب الذي استطاعت الاستيلاء عليه، لكنها مجرد ميليشيات مقاتلة تستولي على حواجز ومواقع، وأحيانا تستولي على مدن بأكملها، لكنها لا تملك القدرة على الدفاع عنها، ولا الإمكانيات لإدارتها. وبعض المناطق انسحبت منها قوات النظام السوري لتتركها لجماعات «القاعدة»، عقوبة من النظام لسكان هذه المناطق، وحتى تكون عبرة لبقية المناطق المتمردة بأنها ستسقط في يد الجماعات المتوحشة، تقول للسوريين: إما قوات الأسد أو جماعات «القاعدة» المتطرفة.
وهذا ما يجعلنا نتحدث عن حقائق أساسية؛ وهي أن قدرة النظام على البقاء والتعافي والعودة لإدارة البلاد لم تعد ممكنة، سواء وجد البديل أو استمر الفراغ. الذي يستطيع نظام الأسد الاستمرار فيه لفترة ما، هو الحرب لأنه ينفق كل مدخراته ورجاله عليها، ولأنه يحصل على المدد من كل الأطراف الداعمة له، التي تريد مساندته عسى أن يحصل على حل سياسي ينقذه لاحقا. أما كيف يمكن لحل سياسي أن يعيد النظام، فسؤال صعب الإجابة، لأنه لم يعد يملك شيئا يدير به الدولة، بقيت مدن مدمرة ونفوس مليئة برغبات الثأر.