عبد الرحمن الراشد
لفهم التغييرات الأخيرة ربما علينا أن نعيد تقييم الوضع السياسي والعسكري في سوريا، بافتراض أن روسيا لم تصطف إلى جانب نظام بشار الأسد، ولم تدعمه، فهل كان هذا سيغير مسار تاريخ الثورة السورية؟
كان للروس دور سياسي كبير، أكثر من كونه دورا عسكريا حاسما، وهذا لا يقلل من خطورة الدعم الضخم الذي قدمته موسكو للنظام في دمشق، وساعده على سحق قوى المعارضة في العديد من المناطق المنتفضة. إنما، ربما كان في متناول الأسد الحصول على أسلحة نوعية من مخازن حليفته الأولى إيران، التي تولت فعليا التنسيق للحاجات الدفاعية من الأسواق العالمية وتمويلها بطرق مختلفة. الدور الأكبر للروس كان سياسيا، حيث نجحوا في تعطيل، وتخريب كل المشاريع السياسية الدولية المختلفة، وهم من أسرفوا في استخدام حق الفيتو لمنع قرارات مجلس الأمن الحاسمة، وسهلوا على الأطراف الغربية الرافضة أو المترددة عدم دعم المعارضة. وهكذا نرى أنه كان لموسكو دور خطير في تعطيل التغيير في دمشق لأكثر من ثلاث سنوات، وهي وراء إدامة المأساة الإنسانية في سوريا التي لا مثيل لها في تاريخ المنطقة.
ومحق برهان غليون، عضو الائتلاف السوري، الذي قرع زملاءه في المعارضة لأنهم في كل مرة تصلهم دعوة يركبون أول طائرة إلى موسكو متوهمين أن الرئيس فلاديمير بوتين قد غير رأيه، وأصبح مستعدا للتعاون. يقول غليون إن «موقف روسيا من الأسد لم يتغير في أي وقت. لكن بعضنا هو الذي لم يفهم معنى ما يقوله الروس. منذ أول لقاء معهم في 2011 بعد تشكيل المجلس الوطني قال وزير الخارجية لافروف نحن لسنا متزوجين من الأسد وليست لدينا علاقات خاصة معه، هو بالعكس زار الدول الغربية أكثر من روسيا بكثير»، مبينا أنه «عندما يقول الروس نحن لا ندافع عن الأسد ولسنا متمسكين بشخصه وإنما نريد الحفاظ على مؤسسات الدولة، فهم لا يقصدون أنهم مستعدون للتخلي عنه».
الروس يلعبون بالكلمات، لكن موقفهم دائما هو نفسه، هم مع الأسد ما دام حيا وفي القصر في دمشق. والتواصل مع موسكو، وتقديم الخدمات المختلفة من قبل دول المنطقة على أمل تليين موقفها، لم ينجبا شيئا يذكر. حتى موقفهم من مصر هو في أساسه تحصيل حاصل، مع القاهرة ضد واشنطن، بل مع النظام الواقف. والآن في التحدي الخطير الذي يواجه النظام الروسي بسبب الحصار الغربي، فإن روسيا ليست بالطرف الذي يستحق من المعارضة السورية كل هذا الاهتمام، ولن تبدل موقفها، في سوريا أو في أي نقطة توتر أخرى. ومثلما يقول غليون «في كل لقاء مع لافروف تقع المعارضة السورية في الفخ وتعود لنشر الأوهام، قبل أن تكتشف خدعة موسكو وخداعها. موسكو لم تغير موقفها».
خيار المعارضة ترتيب صفوفها، والمراهنة على خيارها العسكري الميداني، هنا فقط يمكن للروس والأميركيين أن يستمعوا إليها. ولا توجد أمام الحكومتين خيارات لاحقة أخرى سوى التعامل مع المعارضة، بين الأسد المحاصر والإرهاب المتوحش.