عبد الرحمن الراشد
جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأميركي، سياسي عتيق، وهو أكثر سكان البيت الأبيض تجربة في التعاطي مع الشؤون الخارجية، وأكثر من الرئيس أوباما نفسه، فقد سبق أن كان عضوا في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، وفي لجنة الناتو، وغيرهما. لهذا، عندما أطلق قنبلته الصوتية الأخيرة زاعما أن تركيا وقطر والسعودية والإمارات وراء تنظيم «داعش» الإرهابي، أثار غضب الجميع. عدا عن أنه تصريح غير مسؤول، فإنه قد يجهض جهود التحالف ويوقف مشاركتها، إضافة إلى أن تصريح بايدن فيه هروب من المسؤولية. فمنذ أكثر من عام حذرت دول الخليج وفرنسا وبريطانيا من مخاطر ترك سوريا للتنظيمات الإرهابية، لكن البيت الأبيض أصر على رفض مفهوم التدخل بأي شكل من الأشكال، وحرم تزويد الجيش الحر بالأسلحة النوعية، مما أدى إلى إطالة الحرب، ورفضِ النظامين السوري والإيراني بيان جنيف الأول، حل حكومة انتقالية مشتركة دون الأسد، وتسبب الامتناع الأميركي في دخول الجماعات الجهادية مثل «داعش»، خاصة مع تصاعد جرائم الأسد من الإبادة بالغاز والكيماوي إلى البراميل المتفجرة. الموقف الأميركي السلبي أضعف المعارضة السورية المعتدلة مثل الجيش الحر، وشجع الجماعات الإرهابية على دخول الساحة.
ربما تلام تركيا على تركها أراضيها مفتوحة لعبور الجهاديين دون تمييز، إنما لا أظن أنها كانت تدعم «داعش» مباشرة. أما بالنسبة للسعودية والإمارات فإنهما أكثر بلدين عملا على محاصرة تنظيم «داعش»، في وقت كان بايدن ينام على وسادة من ريش النعام، تاركا التنظيم ينمو، متجاهلا التحذيرات الآتية من المنطقة.
أما اتهام دول فقط لأنها سنية بـ«داعش» السني المتطرف، فإنه ينم عن تفكير جاهل بتاريخ حرب الإرهاب في المنطقة. «داعش» ليس إلا مجرد يافطة جديدة لتنظيم القاعدة القديم، وأهدافه هي نفسها. وعند تبسيط النزاعات في منطقة الشرق الأوسط يلجأ بعض المحللين إلى فرزها طائفيا أو عرقيا، على اعتبار أنها دوافع كافية للاقتتال. وهذا تبسيط يمكن أن يضلل المحللين الأجانب. فالحروب تدور بين أتباع الطوائف، لكن معظمها يقع بين أهل الطائفة الواحدة؛ سنة وسنة، وشيعة وشيعة، ومسيحيين ومسيحيين، وأكراد وأكراد. ولا يختلف الوضع عند التعامل مع تنظيم القاعدة والمتفرع عنه من جماعات مثل «داعش». فهو كتنظيم سني متطرف قتل من السنة أكثر مما قتل من الشيعة والإيزيدية. قتل 500 من أولاد عشيرة الشعيطات السنية عقابا لها على رفضها التعاون معه. «داعش» يستهدف بالدرجة الأولى الأنظمة السنية العربية، أما إيران الشيعية فلا تزال الملجأ لعدد من قيادات «القاعدة» من عقد ونصف، خاصة التي هربت من أفغانستان وباكستان. وبالتالي فإن اختصار النزاعات طائفيا أو عرقيا قد يتسبب في الفهم الخاطئ، فإيران ونظام الأسد السوري، هما الداعمان الأساسيان للتنظيمات السنية السياسية والمسلحة المتطرفة مثل حماس والإخوان المسلمين وفتح الإسلام وغيرها.
على بايدن أن يقبل جزءا من اللوم بدلا من لوم الآخرين، فهو معني بملف العراق، وقد عايش سياسات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي التي تسببت في ظهور «داعش» في محافظة الأنبار. آلاف الشباب العراقيين التحقوا بـ«داعش» نتيجة العداء والإقصاء الذي مورس علانية ضدهم. بايدن، وبقية الفريق السياسي الأميركي، أدركوا متأخرين أكاذيب المالكي ووعوده بتثبيت الأمن، وضعف جيشه. وبدل أن يلوم بايدن المالكي والأسد وإيران، الثلاثي الذي تسبب في الفوضى، وانتعاش سوق التطرف، في كل المنطقة، وجه لومه للدول التي تحارب فعلا «القاعدة» بلا توقف. وما يقوله بايدن هو في واقع الأمر تدوير لكلام الإيرانيين ونظام الأسد، بدلا من أن يستمع مباشرة للإجابة على شكوكه من الدول نفسها.