عبد الرحمن الراشد
حسين عطوي هو الشخص المتهم بإطلاق صاروخ من الأراضي اللبنانية على شمال إسرائيل. لبنانيا، تقول الجماعة الإسلامية، الإخوانية، إنه ينتمي إليها، وهو قيد التوقيف والتحقيق. في رأي الحكومة اللبنانية عطوي، إذا ثبت أنه الفاعل، خالف النظام وعرض أمن البلد للخطر، ويستحق العقاب.
هنا يحتج الزعيم اللبناني سمير جعجع، رئيس «القوات»، ليس دفاعا عنه، بل احتجاجا على تناقض سياسة الدولة اللبنانية. قال على قناة المستقبل: «إنني مع توقيف حسين عطوي، الذي أطلق صاروخا من الجنوب، لكن إذا سأل عطوي (المحققين) خلال التحقيق معه، أنه أطلق صاروخا واحدا ضد إسرائيل وتم توقيفه، لكن لماذا لم توقفوا من أطلقوا آلاف الصواريخ ضد إسرائيل، هؤلاء لبنانيون وأنا لست لبنانيا؟ وإذا سألهم أيضا أنا أطلقت صاروخا واحدا ضد إسرائيل وأوقفتموني، فلماذا لا توقفوا مجموعات لبنانية واسعة تقاتل في سوريا باعتراف من السيد حسن نصر الله، ويطلقون آلاف الصواريخ على الشعب السوري، فماذا يجيبونه؟».
هذا هو الوضع الجديد باختصار، الحدود مع سوريا مفتوحة، ومع إسرائيل مغلقة. كان حزب الله هو من يطلق الصواريخ على إسرائيل، ويرسل الطائرات بلا طيار، ليس حماية للبنان، ولا أراضي شبعا «السورية»، وبالطبع ليس حبا في تحرير فلسطين، بل تنفيذا لسياسة إيران ضمن معركتها السياسية في المنطقة العربية.
بسبب التزام الحزب بتوجيهات الراعي الإيراني، له آلاف من الشباب اللبنانيين يقاتلون في سوريا، وميليشياته تدعم قوات الأسد بمهاجمة المناطق الحدودية من الجانب اللبناني. نتيجة لذلك، أصبحت معظم الحدود اللبنانية تحت سيطرة الجماعات السورية المسلحة المعارضة للأسد، تهدد لبنان بحروب عصابات. ولن يمكن وقف الاقتتال، أو تأطيره، لأنه لا يوجد رقم هاتف يمكن الاتصال به للتفاهم مع هذه الجماعات، وبعضها من تنظيمات القاعدة، بخلاف الحال عندما كانت تقع الاشتباكات مع إسرائيل.
حزب الله عرض لبنان للخطر على مدى ثلاثين سنة، وتسبب في تخريبه، بافتعال حروب مع إسرائيل، كانت كلها لخدمة النظامين السوري والإيراني. منها عشر سنوات، جعل حزب الله لبنان رهينة لقطعة أرض حدودية سورية محتلة منذ الستينات، هي مزارع شبعا، واليوم لم يعد لهذا الريف ذكر في أدبيات وبيانات الحزب، وهي لا تزال في قبضة إسرائيل.
المحنة اللبنانية الطارئة أخطر من كل الأزمات الكبيرة التي مرت بها البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية، لأنها تجر الحرب السورية إلى الداخل اللبناني، عدا عن دفع الأسد لمليون سوري للنزوح إلى لبنان، بغرض تصدير الأزمة لدول الجوار. وصارت هناك كماشة من الجماعات السورية المسلحة المتطرفة تطوق الحدود اللبنانية، وميليشيات حزب الله اللبناني المتطرف تقاتل في سوريا. ولا يمكن استحضار إجابة مقنعة ترد على الموقوف عطوي لو أنه احتج على ازدواجية المعايير، يتم اعتقال فرد واحد أطلق صاروخا واحدا في وقت لا يعترض طريق آلاف المنخرطين في الاقتتال مع الجارة سوريا.
تجدد أزمة حرب غزة التساؤل حول استهلاك الشعارات، فحزب الله كان أكبر وكيل إيراني، ولا يزال، وكانت وظيفته الأولى مواجهة إسرائيل، وإبقاء القضية حية بأي ثمن وتحت أي مبرر. ثم استجدت أحداث وتبدلت الصداقات بالعداوات، فالذين كانوا يغنون لحزب الله، والذين يبتهلون له في المساجد، أصبحوا يدعون عليه، ويعتبرونه عدوا لا يقل عن إسرائيل شرا. كيف يستطيع الإنسان أن يتقلب في مواقفه، ويبرر المتناقضات؟ عادة، الذين يصممون الشعارات، ويصوغون الخطب، يعرفون أن ذاكرة الناس قصيرة جدا. فأحداث سوريا لا تزال هي الأسوأ في جرائمها، وانتهاكاتها، وعدد ضحاياها، واستمراريتها، وعظم مأساة أهلها، مع هذا تجد من ينساها، وينفصل من تعاطفه مع واقعها إلى واقع آخر مناقض لها تماما.