طارق الحميد
نشر الدكتور سلمان العودة ما سماه «خطاب مفتوح» نصب نفسه فيه متحدثا عن السعوديين وشؤونهم. خطاب مليء بالتناقضات والأنا المتضخمة؛ حيث تحدث بعموميات تشبه عموميات «مغرد» على «تويتر» له بكل أمر رأي!
والوقفة الأولى، والأهم، مع العودة، تتمثل بالسطر الأول من خطابه الذي استهله قائلا: «صديقك من صدقك، والعاقل يثمن الكلمة الصادقة أيا كان مصدرها». وهذا كلام جميل، لكن في حالة العودة نفسه أي صديق صادق نصدق، مواقفه بالتسعينات إبان الاحتلال العراقي للكويت، والذي لو تم الاستماع لها لدخلت قوات صدام السعودية، وحدث ما لا تحمد عقباه؟ أم مواقف العودة التي كانت تحذر من الفضائيات، والآن يلوح بالإعلام الجديد؟ أم موقفه من الإرهاب، وبعد أن كشفت «القاعدة» عن وجهها القبيح ليس بأميركا، بل بالسعودية، وكانت «القاعدة» حينها تنهل من بعض أدبيات وأفكار العودة نفسه التي خلفها بحقبة التسعينات، وقبلها، أو عندما كان يلقب أسامة بن لادن، وحتى بعد إرهابه المعلن، بالشيخ وأبا عبد الله فقط، وهو ما تراجع عنه العودة قبل سنوات محدودة؟
وأي صديق صدوق ذلك الذي علينا تصديقه اليوم؟ هل هو العودة الذي سمى القتال بالعراق جهادا، وله مقاطع فيديو على «يوتيوب» تثبت ذلك، أم العودة الذي شهد لأنظمة أسقطها ما يسمى بالربيع العربي بالصلاح، مثل تونس، ثم عاد نفسه منتقدا لتلك الأنظمة يوم تقلبت بها الدنيا، ومحرضا ضدها، وكاشفا عن أجندة إخوانية صارخة؟ أي عودة الذي علينا أن نصدقه؟ أمر محير فعلا، فهل يريد العودة من دولة مثل السعودية، وشعبها، أن يتقلبوا كلما تقلب هو، مرة متشددا، وأخرى متسامحا، في إطار بحثه الدؤوب عن الشهرة؟ فقد كان من الأولى بالعودة، وبدلا من الحديث عن الموقوفين بتهم الإرهاب، أن يصدر بيانا ينقح فيه أفكاره التي ضللت هؤلاء الشباب، وقادتهم للتهلكة بالأمس وحتى اليوم، بدلا من هذا التضخم المفضوح.
والغريب أن العودة يتحدث عن السعودية وكأنها على صفيح ساخن، ونجد أن هناك من يصف خطابه بأنه كلمة حق يراد بها باطل، والحق أنه خطاب مفضوح، أشبه بالابتزاز، ومليء بالأنا المتضخمة، فالعودة يقول: «مع تصاعد الغضب تفقد الرموز الشرعية والسياسة والاجتماعية قيمتها، وتصبح القيادة بيد الشارع». ومضيفا: «عند الغضب يكون دعاة التهدئة محل التهمة بالخيانة أو الضعف، ويقود المشهد الأكثر اندفاعا ومفاصلة مع الأوضاع القائمة». أي، وبلغة بسيطة، فإن العودة يطالب الدولة بتنصيبه «رمزا»، و«وصيا» ذا حظوة حتى يهدئ الشارع الذي يتحدث عنه، وهذا أمر يناقض مفهوم المؤسسات، والأنظمة، والإصلاح، التي يطالب بها السعوديين، وذلك يأتي بالطبع في إطار رفض السعوديين لإعادة إحياء «رموز» عرف المجتمع السعودي ضررهم منذ الثمانينات، ومنهم العودة نفسه صاحب هذا الخطاب المفضوح، والذي تناسى أنه لا يمكن أن يكون بالسعودية مرشد!