هدى الحسيني
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يتمدد خارجياً ويتضخم داخلياً. العنف العسكري الذي قام به أخيراً أحد أسبابه أنه يريد المزيد من المال من الاتحاد الأوروبي، وإلا فليفتح أبوابه للاجئين.
لإردوغان جنون في المشاريع الضخمة، مثل الامتداد المستمر لشبكة السكك الحديدية عالية السرعة في تركيا والمطار الجديد الضخم خارج إسطنبول بحجة أن الضخامة تحفّز التنمية الاقتصادية وتخلق وظائف. عارض العديد من النشطاء في تركيا منذ فترة طويلة الأبنية الضخمة التي ينشرها إردوغان بسبب تكاليفها الاجتماعية والبيئية العالية، لكنهم لم يحققوا نجاحاً كبيراً في إيقافه.
قد يتغير هذا مع المشروع الذي وصفه إردوغان ذات مرة بـ«المشروع المجنون» وهو حفر قناة طولها 28 ميلاً على الجانب الغربي من إسطنبول لربط البحر الأسود ببحر مرمرة. وسيكون بمثابة مضيق البوسفور الثاني. يجادل النقاد بأن القناة الضخمة ستكون لها آثار كارثية على البيئة وعلى المشهد الحضري للمدينة. وتحظى جهودهم بدعم من رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، النجم الصاعد في حزب الشعب الجمهوري المعارض. إذا اكتسبت حركة الاحتجاج قوة، فقد تضعف شعبية إردوغان وتصبح قضية رئيسية في انتخابات عام 2023 الرئاسية، عندما يتحدى إمام أوغلو قبضة إردوغان على السلطة.
طرح إردوغان لأول مرة فكرة قناة إسطنبول في عام 2011، عندما كان رئيساً للوزراء. ثم حوّلها وعداً في حملته الرئاسية لعام 2018، وصرّح منذ ذلك الحين بأنه يريد إكمال المشروع بحلول عام 2023، موعد الانتخابات الرئاسية والنيابية المقبلة والاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية. وقالت الحكومة إنها ستبدأ العمل بالقناة قبل نهاية العام.
من جهة أخرى صدر حكم الأسبوع الماضي، يمنع صحيفة «جمهورييت» من الإشارة إلى نشاطات بيرات ألبيراق وزير المالية، بعدما كشفت عن قيامه بشراء قطع أرض على طول الطريق المخطط له لشق قناة إسطنبول.
وقال تقرير «جمهورييت» إن ألبيراق، اشترى 13 هكتاراً من الأراضي على طول قناة إسطنبول الضخمة حتى إذا ما تم الانتهاء من المشروع، فإن مخططات ألبيراق المكتسبة حديثاً ستزداد قيمتها عندما تدخل خطط تقسيم المناطق الجديدة التي تستوعب القناة، حيز التنفيذ.
ودفاعاً عن ابنه، قال صادق ألبيراق إن ابنه اشترى الأرض ليمنع الأجانب من ذلك.
لا تزال قطع الأرض التي اشتراها ألبيراق مسجلة رسمياً كأرض زراعية، لكنّ مشروع القناة على طاولة مجلس الوزراء يتضمن مناطق سكنية جديدة.
يجادل مؤيدو القناة بأنها ستسمح بمرور المزيد من الحركة البحرية عبر إسطنبول مع تخفيف الازدحام في مضيق البوسفور، حيث تنتظر السفن في كثير من الأحيان في طوابير لعدة أيام في وقت واحد للدخول. إضافة إلى ذلك، في حين أن تركيا محظورة بموجب اتفاقية مونترو لعام 1936 من فرض رسوم على السفن التجارية التي تستخدم البوسفور، فإن القناة الجديدة لن تخضع لهذه القيود، وبالتالي يمكن أن تحقق إيرادات للحكومة.
المشكلة الآن من أين سيأتي التمويل. تقدر الحكومة أن القناة ستكلف 12.8 مليار دولار، لكن بعض الاقتصاديين يقولون إن السعر الحقيقي قد يكون ضعفي ذلك. ويقول خبراء البيئة إنها ستغيّر مجرى التيارات المغمورة بالمياه، وتغير درجات حرارة المياه ومستويات الملوحة في البحر الأسود، وربما تؤدي إلى انهيار النظام الإيكولوجي بأكمله.
يغطي المسار المخطط للقناة أيضاً ثلاثة خطوط تصدع نشطة، وقد تؤدي أعمال البناء إلى تفاقم خطر الهزات في مدينة إسطنبول البالغ عدد سكانها 15 مليون نسمة.
حصلت المعارضة على دفعة دعم قوية عندما عقد إمام أوغلو مؤتمراً صحافياً في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث هاجم المشروع، واصفاً إياه بأنه «خيانة» و«قتل» لإسطنبول وبيئتها. بعد ذلك، دعا الجمهور إلى تقديم التماسات رسمية إلى وكالة الشؤون البيئية والحضرية في إسطنبول، والتي ورد أنها تلقت بعد ذلك رداً ساحقاً، مع أكثر من مائة ألف اعتراض في 10 أيام فقط.
تجمع العديد من المنظمات، بدعم من رئيس البلدية، لتشكيل تحالف يأخذ اسمه من شعار إمام أوغلو ضد المشروع: Ya Kanal Ya Istanbul، «إما القناة وإما إسطنبول». وفي وقت سابق من هذا الشهر، قامت بتنظيم مسيرة على الطريق المخطط له للقناة.
قد تساعد معارضة إمام أوغلو للمشروع على رفع مستوى ملفه الشخصي لأنه يعد سبيلاً محتملاً للرئاسة في عام 2023. ويقول بروفسور جامعي: «إذا كنت إمام أوغلو، فمن المنطقي أن تفعل هذا تماماً، لأنه يجعل الناس يحفظون اسمك ويعيد تأكيدك كأهم شخصية معارضة».
قوة الرسالة التي يطرحها إمام أوغلو تساعده على حشد الأتراك ضد القناة.
وفي حين أن الحملات السابقة لمعارضة مشاريع البنية التحتية الكبرى لم تقترح سياسة بديلة، فإن إمام أوغلو يحدد البرامج الاجتماعية التي يريد تمويلها في إسطنبول بدلاً من القناة: إعادة إحياء الأحياء الفقيرة، وزيادة فرص الوصول إلى رياض الأطفال والتأهب للزلازل. ومن خلال الإشارة إلى التكاليف المالية للقناة، يمكن لإمام أوغلو ربط نقص التمويل لتلك البرامج الاجتماعية بهوس إردوغان غير المحدود بالمشروعات الضخمة.
الآن، بمشاركة رئيس البلدية، «لدى الناس المزيد من الأمل»، يقول أحد الناشطين في مجال البيئة: «يمكننا أن نرى ذلك في التعبئة الميدانية الفعلية في مواجهة المشروع، حيث انضم أكثر من مائة منظمة إلى التنسيق مع (Ya Kanal Ya Istanbul)».
على الرغم من تدفق الدعم، فإن جهود إمام أوغلو لوقف بناء القناة لم تسفر عن نتائج ملموسة. لقد انسحب من بروتوكول تعاون للمشروع تم توقيعه من رئيس بلدية إسطنبول السابق، والذي كان عضواً في حزب العدالة والتنمية، لكن من غير الواضح نوع التأثير الملموس الذي سيكون له. كما أطلق حزب الشعب الجمهوري تحدياً قانونياً على مشروع القناة الذي تشرف عليه وزارة النقل والبنية التحتية، بأن البلدية يجب أن تسيطر على المشروع. فرفضته المحكمة الدستورية التركية بالإجماع، رغم أن 72% من سكان إسطنبول يعارضون المشروع.
يمكن أن تصبح القضية نقطة محورية في انتخابات عام 2023، عندما يكون البرلمان أيضاً على أهبة الاستعداد.
لم يعلن إردوغان عن نيته في عام 2023، لكن من غير المرجح أن ينسحب من السياسة.
لقد هزت الاحتجاجات البيئية إردوغان وحزب العدالة والتنمية من قبل في عام 2013، المتعلقة بمتنزه «جيزي» في إسطنبول والتي أجبرت الحكومة في النهاية على التراجع عن خططها. لدى تحالف «يا كانال يا إسطنبول» أصداء لتلك الحركة، ويشارك فيها العديد من القطاعات نفسها في المجتمع التركي. لكن هذه المرة، لديهم حليف قوي يفرض هذه القضية.
إذا كان حزب الشعب الجمهوري يريد تحدي سيطرة حزب العدالة والتنمية على السلطة في عام 2023، فإن الضغط الشعبي الكبير والمستدام سيكون هو المفتاح. إن معارضة أمام أوغلو المستمرة البارزة للقناة يمكن أن تفعل ذلك. وقد ينجح لأن إردوغان مشغول بفتوحات «مغلقة» في وجهه. إنه «دون كيشوت» العصر الحديث، إنما مع الكثير من سفك الدماء.