هدى الحسيني
الأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والذي يعاقب بالسجن من 3 إلى 20 سنة كل مواطن يسافر إلى الخارج للقتال، ويفرض عقوبة السجن على كل من ينتمي أو يؤيد أو يدعم ماليا الجماعات المتطرفة أو المصنفة كمنظمات إرهابية داخليا أو إقليميا أو دوليا، تبعه تحريك مديرية الأمن الفكري في السعودية (وزارة الداخلية) الذي أدلى رئيسها عبد الرحمن الهدلق بحديث إلى وكالة «رويترز» الأسبوع الماضي قال فيه: «ما حدث في سوريا سب لنا مشاكل كثيرة. إن خطر التطرف الإسلامي في المملكة العربية السعودية يتطلب (حربا آيديولوجية) أكثر عدوانية». وأشار إلى أن وحدته تركز بشكل متزايد على الذين يستخدمون الإنترنت لتجنيد مقاتلين من أجل الجهاد في الخارج، وقد لاحظ بالفعل تراجع التطرف على الإنترنت.
كان للأمر الملكي السعودي ردود فعل كثيرة في العالم كله، لكن أبرزها في الكويت حيث دعا النائب الكويتي نبيل الفضل إلى قانون كويتي مشابه، لأن الوضع في الكويت الآن، حسبما قال، مشابه لما كان عليه الوضع في السعودية قبل إصدار الأمر الملكي. فهناك من يرسل أولاد الناس للقتال في سوريا، ولا يرسل أولاده. ثم هناك من يدعو إلى جمع التبرعات بطريقة غير قانونية من دون أن تعرف الدولة كيف يجري جمع المال وكيف يصرف، وقد أعلن أحدهم عبر صفحته على «تويتر» أنه يريد جمع 60 ألف دولار لشراء صواريخ أرض - جو.
تزامن كل هذا مع استبعاد رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم أن يصادق البرلمان الكويتي على الاتفاقية الأمنية الخليجية خلال الدورة التشريعية الحالية التي تنتهي في شهر يونيو (حزيران) المقبل.
يرى الفضل أن سوريا تحولت إلى ميدان لكل المهووسين بسفك الدماء، لا يهمهم من يقتل، مدنيًّا كان أم مجاهدا؛ «لذلك اعتمدت الأمر الملكي وقدمت عنه صورة لمشروع قانون؛ لأننا والسعودية نتعرض للخطر نفسه، ونعيش الأجواء نفسها، وبالتالي يجب أن نتشابه في قوانيننا».
المشكلة أن الكويت هي الدولة الوحيدة التي لا قوانين فيها لمكافحة الإرهاب، وحسب الفضل فإن تشريعات محاكمة الإرهاب لم تتطور بسبب وجود نواب من «الإخوان المسلمين».
هناك تخوف في الكويت من عودة الإرهابيين «الذين سافروا في السابق للقتال في أفغانستان وبذلنا جهدا لإعادتهم إلى الكويت، عادوا، ثم ذهبوا للقتال في العراق وقتلوا أبرياء».
ليس معروفا عدد الكويتيين الذين يقاتلون في سوريا. ويوم الجمعة الماضي أشارت صحيفة «السياسة» الكويتية إلى أن الأجهزة الأمنية الكويتية تحذر من وجود خلايا لـ«داعش» و«النصرة» في الكويت، ويوم الاثنين الماضي حذر النائب الكويتي صالح عاشور من احتمال «انتقال ما لا يقل عن عشرين ألف مقاتل خليجي وعربي إلى الكويت (...) مع الضغط على غير السوريين للخروج من الصراع الدائر هناك»، وتخوف عاشور من «كارثة داخلية للبلد» (جريدة «الشهيد»).
الدولة الكويتية لا تتدخل في إرسال أسلحة أو مقاتلين، تقوم سياستها على مساعدة الشعوب المنكوبة، إنها ضد القتل والإرهاب، وقد عقد في الكويت مؤتمران للدول المانحة لمساعدة الشعب السوري جمع خلالهما ما يفوق الخمسة مليارات دولار. وهي منذ أكثر من سنة ونصف السنة أوقفت خطباء المساجد الذين يدعون إلى الجهاد في سوريا. لكن عندما يدعو أحدهم عبر «تويتر» لجمع المال لشراء صواريخ مثلا، ويضع عنوانه ورقم هاتفه، فإن الدولة لا تستطيع فعل شيء، كاعتقاله مثلا، وحتى لو حولته إلى القضاء، فلا جريمة بلا قانون أو عقوبة من دون نص. يرغب نبيل الفضل في أن يتحول الأمر الملكي السعودي إلى إجراء خليجي عام: «نحن نبحث عن التكامل بما فيه الاتفاقية الأمنية، والاتفاق الاقتصادي والفيدرالية (...) لا أعرف لماذا نريد الأمن لأوطاننا ونصدر الإرهاب لأوطان الآخرين، إنه عمل مخجل».
لكن، قيل إن مظاهرات سارت في الكويت ضد الاتفاقية الأمنية. يجيب الفضل: «كلا، لم تحدث مظاهرات، عقدت تجمعات داخل غرف مغلقة، اتخذوا مواقف ضد الاتفاقية بحجة أنها مخالفة للدستور الكويتي. وهذا خطأ». يشرح: «هناك عدة أسباب لاتخاذ هذه المواقف السلبية، (الإخوان المسلمون) يرون في الاتفاقية مؤامرة لمحاصرتهم ودك حصونهم، وأنا شخصيا أعتقد بأنها سوف تقضي على سلطان (الإخوان) الذي يجب أن يهدم». أما «الإخوة الشيعة» فإنهم يعارضونها ليس خوفا على أنفسهم في الكويت، بل لأنهم يخشون على الشيعة في الخليج.
كانت الكويت الدولة الوحيدة بين دول مجلس التعاون الخليجي التي عارضت الاتفاقية في البدء لأنها كانت تتضمن بنودا مخالفة للدستور الكويتي، ثم سعت الحكومة مع بقية دول الخليج وعلى مدى سنوات، فأدخلت تعديلات حتى وصلت إلى مرحلة رأت الكويت أن الاتفاقية لا تصطدم بدستورها أو قوانينها فوافقت عليها.
يقول الفضل إن القوانين الكويتية تحمي المواطن الكويتي وحتى المقيم في الكويت، إنها تمنع تسليم المواطن الكويتي حتى لو كان مدانا، وتمنع تسليم المقيم بناء على اتهام، بل يجب أن يكون الحكم قد صدر. وكل دولة في الخليج تعمل ضمن قوانينها.
يحمّل الفضل الحكومة المسؤولية بسبب تقصيرها في تسويق الاتفاقية، مما سمح لبعض التجمعات والتنظيمات، وكلها غير رسمية، بأن تستعيد بريقها بالادعاء أن الاتفاقية تسلب الحقوق دون أن يذكروا مادة واحدة فيها تدل على تجاوزها الدستور الكويتي مع العلم أن الاتفاقية في أحكامها العامة تعطي الأولوية للتشريعات الوطنية والاتفاقات الدولية لكل طرف، وبالتالي لا يوجد خوف على أي دولة كي ترغم على مخالفة قوانينها أو اتفاقياتها، بل إنها تغطي العجز الموجود في دول الخليج.
المعارضون للاتفاقية يعممون مثلا أن الدوريات السعودية ستدخل غدا «في الكويت»، رغم أنها تنص بشكل واضح على أن الدوريات لا تعبر الحدود البرية.
تقصير الحكومة في التسويق زامله أيضا سكوت الأغلبية الكويتية وتفضيلها الاستماع إلى الصوت العالي، بمعنى أنه كما في مصر كذلك في الكويت، التي لا تجيز الأحزاب، هناك «حزب الكنبة».
يقول نبيل الفضل إن المصادقة على الاتفاقية تنقذ الكويت من «مصيبة» اسمها «المزدوجي الجنسية»، إذ هناك، كما يقول، الآلاف الذين يحملون جنسية سعودية وكويتية، لكل واحد بيت في الكويت أخذه من الدولة، يؤجره، ثم يأتي كل أربع سنوات ليدلي بصوته لنائب يحميه، رغم وجود مشكلة إسكان، فهناك 120 ألفا ينتظرون مسكنا. جنسية «المزدوجين» الأصلية غير معروفة، كما يقول. هناك السعودي والإماراتي والقطري، وحسب الفضل حصلوا على الجنسية الكويتية بالتزوير وشهود الزور: «الاتفاقية الأمنية تتيح الاطلاع على الكويتيين المقيمين في السعودية وغيرها، وتسهل للسلطات حصر مشكلة (المزدوجين)»، ولا مشكلة أن يقول: «المزدوج كويتي، لكن حسب القانون لا يحق له حمل جنسيتين». يثيره أن هؤلاء يستنزفون مقدرات الدولة الكويتية، وفي الوقت نفسه يشوهون نتائج الانتخابات.
لا يستغرب استبعاد التصديق على الاتفاقية في الدورة التشريعية الحالية: «إنها مفعلة وبدأ العمل بها»، يستطرد: «أن لمجالس الأمة في الكويت تاريخا (سيئا) في المصادقة على الاتفاقيات الخارجية». يروي أنه في المجلس الماضي كانت هناك اتفاقيات مع دول خارجية مضى على توقيعها 14 عاما من دون مصادقة مجلس الأمة، تولى متابعتها النائب صالح عاشور، وكرس وقته لها، وصادق المجلس الآن على 70 اتفاقية، وبالتالي إذا تأخرت المصادقة على الاتفاقية الأمنية فليس الأمر بالسيئ: «على الأقل نريد أن يستوعبها الكويتيون».
في الواقع، بعدما تمرر الحكومة الاتفاقية ويصادق عليها مجلس الأمة، عندها يحق لأي مواطن كويتي الذهاب إلى المحكمة الدستورية عن طريق محاكم الاستئناف للطعن في دستوريتها وفي القانون الذي صادق عليها، وللمحكمة الدستورية في الكويت تاريخ طويل في إبطال مراسيم أميرية، وفي إبطال قرارات مجالس أمة، وإذا ما وجدت أن في الاتفاقية ما يخالف الدستور، فستكون حتما أول حصن، لإبطالها.
المشكلة في الكويت أن المعارضين لا يريدون هذا، يميلون دائما إلى المآتم ليعولوا فيها لا أكثر ولا أقل.