هدى الحسيني
في 26 مايو (أيار) الماضي، كانت هناك لحظة تاريخية رافقت لحظة أخرى. إذ أدى نارندرا مودي، رئيس وزراء الهند الجديد، اليمين الدستورية كزعيم جديد لأكبر ديمقراطية في العالم، لكن أهم ضيوف الشرف الذين دعوا إلى ذلك الاحتفال كان نواز شريف رئيس وزراء باكستان، الدولة المنافسة منذ وقت طويل للهند. وتعمد مودي، في أول يوم له كرئيس للوزراء، أن يلتقي ولمدة ساعة ونصف الساعة نظيره الباكستاني. الأهم في هذا الحدث أن الشخص الذي وجه الدعوة لشريف كان مودي نفسه الذي يمثل القوميين الهندوس الذين لا يكنون الود للمسلمين. الخطوة التي أقدم عليها مودي نظر إليها على أنها تمثل رؤية بعيدة له تنطوي على جلب الهند، أكبر وأهم دولة في جنوب آسيا، إلى مركز الصدارة في التنمية والتعاون الإقليميين في ما يسمى «رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي» (سارك).
سيكون من الضروري تخفيف التوترات القوية بين الهند وباكستان من أجل إعادة تركيز النظام السياسي في الهند باتجاه التنمية والتعاون مع الدول السبع المنضمة إلى «سارك»، كي تدور كلها في الفلك الهندي السياسي والجغرافي، رغم العلاقات المعقدة من الحب والكراهية أحيانا تجاه نيودلهي. والدول هي: أفغانستان، بنغلاديش، بوتان، المالديف، نيبال، باكستان وسريلانكا. للمرة الأولى كل زعماء «سارك» دُعوا لحضور مراسم أداء اليمين لرئيس الوزراء الهندي الجديد.
لـ«سارك» 9 دول بصفة مراقب: أستراليا، الصين، الاتحاد الأوروبي، اليابان، إيران، موريشيوس، ميانمار، كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة الأميركية. على مر السنين سعت الهند للحصول على وجود دولي من خلال المشاركة وبنشاط في منظمات دولية مثل دول «البريكس»، وعملت على أن تصبح دولة عضوا في مجلس الأمن الدولي، لكن كانت هذه الجهود على حساب نفوذها المركزي بين جيرانها المباشرين، ومعظمهم من أعضاء «سارك» الذين شعروا بالإهمال. ونتيجة لهذا، بدأ الود المفقود للهند في النمو، وساعد في ذلك خصوم الهند مثل الصين التي عمقت علاقاتها مع الدول المناهضة للهند، كباكستان وبنغلاديش وسريلانكا.
خلال اللقاء بين الزعيمين أبلغ مودي شريف بأن على باكستان أن تمنع المسلحين في أراضيها من شن هجمات على الهند، وأن تعاقب من قاموا بالهجوم على مومباي عام 2006.
عندما عاد شريف إلى باكستان استقبله الإعلام بوابل من النقد لأنه لم يأت على ذكر كشمير رغم أن مودي حدثه عن الإرهاب. لكن مساعدي شريف ردوا بأن مودي سيزور باكستان، وأن المحادثات على مستوى الوزراء ستبدأ بين البلدين، وسيتم إحياء «إعلان لاهور» الذي كان وقعه نواز شريف ورئيس وزراء الهند آنذاك اتال بيهاري فاجبايي عام 1999 (توقف بسبب العملية الإرهابية على مومباي)، وفيه إشارة واضحة إلى كشمير. وكان نواز شريف أثناء وجوده في الهند قام بزيارة فاجبايي في منزله (تربط الاثنان صداقة)، حيث عبر له عن أمله في تطبيع العلاقات بين الدولتين.
المنتقدون ساءهم أن مودي تحدث عن الإرهاب في باكستان في حين أن شريف لم يطلب من الهند أن توقف دعمها للإرهاب داخل باكستان وبالذات في بلوشستان.
في اتصال مع برمبال تشادوري، رئيس تحرير «هندوستان تايمز» قال إن «مودي غير معروف في السياسة الخارجية، وهو لم يخدم سابقا في أي حكومة مركزية، وبسبب ماضيه المثير للجدل خصوصا في ما يتعلق بالحملة على المسلمين في غوجارات عام 2002 ودوره فيها، هناك توجس منه، ومن أنه غير مهتم بعلاقات جيدة ويمثل خطا هندوسيا متشددا يختلف عن الموقف المرن الذي مثله قبله فاجبايي».
رغم بعض المنتقدين في الإعلام فإن الأحزاب الباكستانية مرتاحة للمبادرة التي اتخذها مودي ولباها شريف، فاللقاء ليس لالتقاط الصور، فالدولتان تعرفان ضرورة أن يبدأ الحوار بينهما حيث تتم مناقش القضايا العالقة بين الدولتين (السفير الباكستاني في الهند وصل إلى إسلام آباد للبدء في تحضير وفد وإعداد جدول أعمال). وبغض النظر عمن يقود البلدين، في باكستان هناك رغبة شعبية ورغبة حزبية في التقدم والوصول إلى علاقات جيدة مع الهند.
لكن ماذا بالنسبة إلى الهند؟ يقول تشادوري «انتهينا للتو من الانتخابات، ولم تكن السياسة الخارجية من أولويات حملة مودي. كان الاقتصاد سيد النقاشات السياسية». ويضيف «هناك مدرستان متصارعتان في الهند بالنسبة إلى باكستان، الأولى يمثلها رئيس الوزراء السابق مانموهان سينغ، وتقول إن باكستان دولة يجب على الهند أن تكون على اتصال دائم معها، ليس على المستوى الدبلوماسي فقط بل على مستوى المجتمع، لأن المجتمع الهندي متخوف من أن تكون مشاكل باكستان الداخلية معدية للمجتمع الهندي». وهناك مدرسة أخرى تقول «لماذا نهدر الوقت في التعامل مع باكستان؟».
إذا حلت المشاكل بين الدولتين النوويتين، وعلى رأسها كشمير وأسباب مومباي، فإنه يمكن عندها توجيه طاقاتهما لأمور أفضل. تقول باكستان إن الدولتين راغبتان في تحسين العلاقات من أجل تكريس تلك الطاقات نحو احتمالات متوقعة لتطور اقتصادي مهم. وهناك كثافة سكانية فقيرة في الدولتين، تدفع إلى الحاجة إلى التطور والتجارة المتبادلة للتوصل إلى مشاريع مشتركة وتعاون اقتصادي.
يقول تشادوري «مودي ليس بعيدا عن هذا التفكير، هو يركز على سياسة خارجية تعتمد على الاقتصاد، على الأقل بسبب المشاكل التي يواجهها الاقتصاد الهندي، وهو يعتقد أن محرك السياسة الخارجية للدول المحيطة بالهند هو التجارة والاستثمار، وسيساعد هذا لتمهيد الطريق أمام أمور أخرى في مجالات أكثر صعوبة».
ويعتقد رئيس تحرير «هندوستان تايمز» أن تطبيع العلاقات التجارية مع باكستان مثلا يأتي على جدول أولويات مودي وشريف.
50 في المائة من 1.2 مليار إنسان في الهند هم دون سن الـ25، و65 في المائة دون سن الـ35. وتحتاج الهند إلى 10 ملايين وظيفة سنويا للشباب. وفي حملته وعد مودي ببناء 100 مدينة «ذكية»، وتوصيل الإنترنت إلى القرى، وتحسين القطارات والسكك الحديدية، وقال للمسلمين الهنود «أريد أن أراكم تحملون القرآن الكريم في يد، وفي اليد الأخرى الكومبيوتر».
عام 1992 أعلنت الهند عن سياسة «النظر شرقا»، ومع مرور الوقت دون التطبيق صارت حكومات شرق وجنوب شرقي آسيا تسخر من هذه السياسة وتصفها بالقول «انظر شرقا ثم انظر بعيدا». العام الماضي بدا شرق آسيا يشق له طريقا في الهند، وكان شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان، ضيف الشرف في يوم استقلال الهند، وعبر الزعيم الصيني الجديد تشي جينبينغ عن رغبته في زيارة الهند هذه السنة. وكان مودي زار اليابان والصين عدة مرات.
الاقتصاد هو الدافع لوضع المشاكل السياسية جانبا أو تجاوزها. لليابان والصين قدرة تصنيعية فائقة تحتاج إلى أسواق جديدة، ومع حالة الركود التي يمر بها الغرب تبرز الهند كمكان مناسب لهذه الاقتصادات.
بالنسبة إلى نواز شريف فإنه يميل إلى منح الهند وضع «الدولة الأكثر تفضيلا» لرغبته في زيادة التجارة المتبادلة بين الدولتين، هو مثل مودي يرى أن الحرب ليست خيارا، لأن أي مشكلة مع الهند ستشغل باكستان عن حدودها الغربية مع أفغانستان. ثم إن الولايات المتحدة لن ترتاح لأي توتر عسكري بين الدولتين وهي تستعد لسحب قواتها من أفغانستان. وكانت المحادثات بين شريف ومودي أظهرت أن مسائل الإرهاب والأرض (كشمير) لن تختفي بسرعة، لكن الاثنين يأملان، وهما المنتميان إلى مجتمعات تجارية، بأن يتقدما نحو تطبيع العلاقات التجارية والاستثمار وتحصين هذا من الصعود والهبوط الذي تعاني منه العلاقات الثنائية في السياسة.
أما مودي فهو قومي هندوسي في القلب مع تركيز شديد على التنمية الاقتصادية والرفاه من أجل استعادة سيادة الهند في المنطقة، وكذلك في الشؤون الدولية. للوصول إلى هذا الهدف سيعمل على الحد من التوترات مع باكستان والعديد من الجيران الآخرين في محاولته لجعل الهند اللاعب الأكثر أهمية في جنوب آسيا.
وصول مودي إلى السلطة يحمل أيضا أهمية دولية أكبر، فمن خلال استعادة النفوذ الإقليمي في جنوب آسيا تأمل الهند في درء تدخل القوى الكبرى في المنطقة من أمثال الصين وأيضا الولايات المتحدة. هو يعرف أن الصين اقتصاديا وصلت إلى الذروة، والآن جاء دور الهند لتسلق القمة الأعلى اقتصاديا.