هدى الحسيني
الهزة الأرضية التي أصابت جنوب طهران منذ نحو ثلاثة أسابيع، أعادت المخاوف من حادث غير متوقع يصيب مفاعل «بوشهر» وكذلك المنشآت النووية الإيرانية الأخرى، خصوصا أن إيران تقع على خط الزلازل.
بالنسبة إلى دول الخليج العربي، فإن كل ما يؤثر على محيط مفاعل «بوشهر»، يثير لديها الكثير من القلق على حياة مواطنيها. ويتفق الكثيرون على أن أهم منشأة للاستخدامات السلمية في إيران هي مفاعل «بوشهر» لإنتاج الطاقة الكهربائية، لقد صمم ونفذ لهذا الغرض ويخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. بناه الألمان في الأساس، لكن بعد الثورة الخمينية احتاج الروس وقتا طويلا في المفاوضات ليوافقوا، إذ أصر الإيرانيون على تكملة المفاعل من حيث وصل الألمان.
المهم، أن البناء استكمل وبدأ الإنتاج. وفي عام 2012، وقعت مشاكل فنية، بعضها غامض، وتوقف العمل فيه. الروس وعدوا بإعادة تشغيله على أساس تسليمه للإيرانيين بعد سنة، لكنهم لن يتخلوا عن المراقبة والإشراف نتيجة لاتفاق بينهم وبين الإيرانيين، على الرغم مما يردده الطرفان عن تسلم وتسليم، وذلك لأسباب تعاقدية: مثلا، أن الوقود النووي المستهلك سيعود إلى روسيا وفقا للاتفاق. وعندما يقال إنه سيعود، فذلك يعني أن روسيا تزود إيران بالوقود النووي؛ أي اليورانيوم المخصب بنسبة 4 إلى 5% للكهرباء، وبعد سنة أو سنتين عندما تستنفد الطاقة الموجودة فيه أو اليورانيوم 235، (معظمه يحرق ويتفاعل وينتج الطاقة)، تستعيده روسيا حتما. لأن من الوقود النووي المستنفد يمكن استخلاص البلوتونيوم.
إذا استطاعت إيران، بطريقة سرية أو خفية، الاستحواذ على تكنولوجيا فصل البلوتونيوم عن اليورانيوم بالوقود المستنفد، وتنقية الفصل إلى درجة عالية جدا بطرق كيماوية – الوقود مشع جدا وصعب التعامل معه، ولا تملك إيران، حسب المعلومات المتوافرة، تكنولوجيا فصل البلوتونيوم إلا على مستوى الأبحاث – عندها يمكنها إنتاج قنبلة نووية!
أصرت روسيا في العقد، على أن يعود إليها الوقود النووي المستنفد بعدما يبرد (يكون إشعاعيا ساخنا جدا)، ويؤكد الروس علنا وسرا أنهم لن يتنازلوا عن هذا الشرط، وإلا يلغى الاتفاق ويتوقف العمل في المفاعل. وإذا تخلى الروس عن المفاعل، فسيصعب على الإيرانيين تشغيله إلا بعد فترة طويلة.
«بوشهر» أهم منشأة لاستخدامات الطاقة النووية السلمية، لكن لدى إيران منشآت أخرى للطاقة السلمية، الأهم بينها مفاعل طهران للأبحاث وصار قديم العهد، ويفترض أن يكون مفاعل «أراك»، الذي هو قيد الإنشاء، بديلا عنه. «أراك» أكبر بكثير من مفاعل طهران، وأغلب الظن أن له استخدامات مزدوجة، إذ يمكن استخدامه للأبحاث الطبية وأيضا لإنتاج البلوتونيوم (الوسيلة الثانية لإنتاج الأسلحة النووية).
هناك من يقول إنه يمكن تطوير «بوشهر» أيضا لإنتاج البلوتونيوم. من الناحية النظرية، هذا ممكن، لكن «بوشهر» ليس بنفس كفاءة مفاعل «أراك»، فهو مصمم أساسا لإنتاج الطاقة الكهربائية.
كيف سيحدث ذلك، إذا حدث؟ إن الوقود المستخلص يحول إلى أغراض أخرى والبلوتونيوم موجود، إذ عندما ينتهي التفاعل النووي في اليورانيوم، فإن جزءا من اليورانيوم يتحول إلى بلوتونيوم.
في المفاعلات ذات الأغراض السلمية، فإن معظم اليورانيوم يتحول إلى طاقة، هذه المفاعلات مصممة لهذا الغرض. أما المفاعلات للأغراض غير السلمية (إسرائيل، باكستان، الهند وأوزيراك سابقا)، فقد صممت بالدرجة الأولى لزيادة كمية البلوتونيوم المنتجة. ومن أجل الحصول على سلاح نووي أو قنبلة واحدة، يجب أن يتوافر من 9 إلى 10 كلغ بلوتونيوم، هذا إذا كان التصميم جيدا، وإن لم يكن كذلك تكون الحاجة إلى كمية أكبر.
وأسأل خبيرا نوويا خليجيا عن الدول الأبرع في هذه المهمة فيجيب: أميركا وروسيا والصين التي لديها قنابل هيدروجينية، وهذه دمارها أفظع، وإسرائيل. أما باكستان والهند اللتان تملكان المئات من القنابل النووية، فليستا بهذه الكفاءة.
إذن، هناك المفاعل الأساسي «بوشهر»، وهناك مفاعل طهران، ثم مفاعل «أراك» الذي يبنى، والمفترض استخدامه لأغراض سلمية إلا إذا أزيلت الرقابة عنه، وهذا ينطبق على «بوشهر». لكن مفاعل «بوشهر» تحت الرقابة، وروسيا ملتزمة ذلك.
أما «أراك»، فإنه حتى الآن لا يعمل، وبالتالي لا يحق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفقا لاتفاقية الحماية، أن تزور المنشأة إلا إذا وقعت إيران على البروتوكولات الإضافية. وكانت طهران قد وقعت، لكن مجلس الشورى لم يصدّق. والتزمت في مرحلة من المراحل، لكنها تراجعت فيما بعد.
عندما اكتشفت برامجها السرية وافقت طوعيا أن تلتزم الاتفاقيات الإضافية، وطبقتها جزئيا ثم عادت عن ذلك مدعية أنه نتيجة لخلاف بينها وبين الوكالة الدولية.
يعني هذا الوضع بالنسبة إلى «بوشهر»، أنه إذا ما قررت إيران أن تبقي على الوقود لتستخلص منه البلوتونيوم، فيجب أن تتوقف المراقبة الدولية على المفاعل وعلى أماكن التخزين قبل نقلها إلى روسيا، فالوقود يجب أن يخزن قبل أن تتم عملية النقل، وبمجرد أن تقوم إيران بعملية التحوير هذه سيكتشف الروس والوكالة الدولية ذلك.
وستحتاج إيران أيضا إلى أكثر من سنة أو سنتين للحصول على البلوتونيوم من «بوشهر»، لأنها لا تملك تكنولوجيا التصنيع. إذن، طريق «بوشهر» طويل، لكن طريق «أراك» أسرع. والخطورة في «أراك»، أنه ليس هناك ما يلزم إيران في مرحلة التخطيط أن تكشف عن المعلومات أو تسمح للوكالة الدولية بأن تطلع على المفاعل خلال إنشائه.
هناك من يقول إن إيران قد تنتهي من بناء مفاعل «أراك» ثم تقول إنها توقفت عن العمل فيه. في هذه الحالة، وبعد سنة مثلا، تكون لديها كمية كافية من البلوتونيوم لتصنيع قنبلة، ولا تكون تحت الإشراف الدولي، عندها سيكون من الصعب التخلص منه، لأن قصفه سيسبب إشعاعات مضرة. لذلك، وبسبب خوف المجتمع الدولي من أن هذا المفاعل سوف يكون لخدمات عسكرية، فيجب التعامل معه قبل التشغيل.
ما يقلق دول الخليج العربي، أن «تشرنوبيل» في أوكرانيا كان مفاعل يورانيوم للطاقة الكهربائية، عندما انفجر تطاير الوقود وانتشر البلوتونيوم. المضر الذي انتشر كانت المواد الناجمة عن الانشطار النووي، السيزيوم والسترونشيوم، وهما مادتان تعيشان فترة 30 سنة في الهواء. أما البلوتونيوم، فعندما ينفجر لا يطير في الهواء بسبب ثقله.
لذلك، تصر الدول الخليجية على أن تتأكد من أن تصميم أو تشغيل هذا المفاعل يحقق أعلى درجة من السلامة. ثم إنه بعد انفجار مفاعل «فوكوشيما» في اليابان، صار مطلوبا أن تخضع كل المفاعلات في العالم إلى (stress test). وهذا الفحص لا يقصد منه الإشراف على المفاعل، إنما مراجعة التصاميم وأوراق البناء، والتأكد من أن فرص وقوع حادث نووي جسيم غير موجودة، وفي حال أسوأ الفرضيات، مثل الهزات أو تسرب الغاز، تريد الدول الخليجية أن تعرف مدى الأضرار وألا تكون أضرارا غير قابلة للتعامل معها.
هنا، يأتي الدور الروسي والوكالة الدولية للطاقة الذرية لإخضاع «بوشهر» لهذا الفحص، وأن تطلع دول الخليج المجاورة على تفاصيله.
اتفاقية السلامة النووية التي لم توقع إيران عليها، تلزم كل الدول الموقعة أن تحيط الدول المجاورة علما بالتصاميم أثناء وضعها. وحدث ذلك مع النمسا وتشيكيا، إذ طلبت فيينا من براغ إيقاف العمل في أحد مفاعلها لأن التصاميم الموضوعة لا توحي بالسلامة.
إيران ترفض التوقيع على اتفاقية السلامة النووية، تستخدمها كأداة من أدوات التفاوض، رغم أن التوقيع من مصلحتها، فهي تحصل في المقابل على مساعدة تقنية من المجتمع الدولي ومن الوكالة الدولية.
كل ما تطالب به دول الخليج يصب في مصلحة مواطنيها لا أكثر ولا أقل، تريد أن تطمئن إلى أن مفاعل «بوشهر» سليم، وإذا لم يكن كذلك فهي تريد الاطمئنان إلى وجود ترتيبات السلامة.
ترى متى تقرر إيران التعامل بجدية مع العالم، حتى لا يبقى التهديد الهوية الوحيدة التي تعرف عنها؟
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"