مزج المؤتمر السنوي لـ«المجلس الأطلنطي» الذي عقد في إسطنبول للسنة الخامسة على التوالي الآفاق النفطية بالوضع القائم في المنطقة. الجانب الأميركي كان مأخوذا بالوضع في أوكرانيا، حيث هي وتركيا تعتمدان على الغاز الروسي وتعتمد أوروبا على النفط الروسي، وقال وزير الطاقة الأميركي أرنست مونيتز إنه يجب النظر إلى أمن الطاقة بطريقة جماعية والقلق في أميركا أنها لا تزال مرتبطة بالاقتصاد والنفط العالميين، ولا تزال تصدر وتستورد النفط وبالتالي هي عرضة لتقلبات وأسعار النفط.
بسبب أوكرانيا كان التركيز على تنويع مصادر الطاقة، وتنويع طرق الإمدادات مع تطوير بدائل النفط والغاز. برز نفط بحر قزوين وشرق المتوسط، كما تحويل العمل بنظام الطاقة الحالي نتيجة التغيير المناخي، رغم أن ذلك لن يكون سهلا، خصوصا أنه نظام رؤوس أموال تتجاوز قيمتها 8 تريليونات دولار.
لوحظ مع بحث نفط العراق أن الوزيرين المخولين به، عادل عبد المهدي وزير النفط العراقي وآشتي حاورامي وزير الثروات الطبيعية في حكومة كردستان رغم مشاركتهما في ندوة واحدة، ورغم ترحيبهما بالاتفاق الأخير بين بغداد وأربيل وأنقرة، أنهما لم يوجها الحديث إلى بعضهما البعض، وبالكاد تبادلا النظرات، وكان الوجوم على وجه كل منهما. الوزير العراقي مع إشارته إلى إيجابية وجود شركات أجنبية كثيرة في العراق، لفت إلى أن «أحدا منا» (أي بغداد وأربيل) لن يستفيد من دون الآخر، «وأن الجلوس معا ينتظر أن يقوم رئيس وزراء كردستان بزيارة بغداد كبادرة حسن نية».
أشار الوزير الكردي إلى أن كردستان تنتج يوميا 350 ألف برميل والبنى التحتية اكتملت لتصدير مليون برميل يوميا «وعندما تكتمل البنى التحتية للغاز سنبدأ بتصديره ما بين عامي 2017 و2018». وقال: «نحتاج إلى أن نتحد مع بغداد ضد الإرهاب، لكن هذا لن يحدث قبل الاتفاق حول الأمور المتعلقة بالدستور».
في مؤتمر «المجلس الأطلنطي» بدا جليا أن النظرة الأميركية غير واضحة إنْ كان بالنسبة إلى الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني أو بالنسبة إلى مصير الرئيس السوري بشار الأسد. الأوروبيون، خصوصاً من أوروبا الشرقية، لم يكونوا مأخوذين بـ«الربيع العربي»، إذ قال الرئيس البولندي السابق الكسندر كواسنييسكي: «عندما تحركت أوروبا الشرقية من أجل التحرير كان أمامها مثل أعلى تتطلع إليه وهو المجموعة الأوروبية، وعندما تحرك الشارع العربي لم يكن أمامه من مثل أعلى»، لكنه أضاف: «السنوات السمان انتهت ودخلت أوروبا في السنوات العجاف. الرئيس فلاديمير بوتين يريد إعادة روسيا قوة عظمى.. يريد أن يكون بمصاف ستالين (...) مشكلة شبه جزيرة القرم طويلة مثل مشكلة شمال قبرص».
وأمام «التفاؤل» الأميركي، بما قد «ترسمه» عودة إيران إلى «المجموعة الدولية» من تغييرات في الشرق الأوسط، كان السفير الفرنسي السابق لدى الولايات المتحدة ومستشار الرئيس السابق جاك شيراك، جان ديفيد لوفيت، كثير الواقعية: «لن يكون هناك اتفاق، وإذا لم يتوصل الطرف الغربي إلى التوقيع على اتفاق حول النووي الإيراني فالمفاوضات لن تنتهي». رد على الأميركيين بأن القرار بيد المرشد الأعلى خامنئي: «لا أحد يعرف موقفه. هناك احتمالان لدفعه إلى التوقيع: الوضع الاقتصادي السيئ، أو بروز عدو خارجي جديد».
«كان حجم الاقتصاد الإيراني عام 1979 (عام الثورة) ضعفي حجم الاقتصاد التركي، اليوم هو 50 في المائة من الاقتصاد التركي. الإيرانيون يريدون الخروج من الأزمة. أن يوقع النظام الحالي على الاتفاقية يعني اعتماد خط سياسي خطير، لأنه بحاجة دائماً إلى عدو خارجي».
وقال لوفيت: «تبدو إيران اليوم كأنها تكسب، هي مؤثرة في العراق، والشكر لأميركا التي أطاحت صدام حسين وأعطت السلطة للشيعة. لها نفوذ في سوريا وبعض لبنان، لكن إذا قارنا ما بين وضعها الآن ووضعها عام 2005 نرى أنها تنهار. أصدقاؤها يواجهون مشكلات صعبة. بشار الأسد فقد السيطرة على جزء كبير من سوريا، و(حزب الله) يقاتل في لبنان، ويقاتل في سوريا، ويقاتل في العراق، وهو يواجه فقدان تأييد الشيعة اللبنانيين له، إنهم يخسرون أبناءهم في قضايا لا تمسهم بشكل مباشر. سوريا ستعاني لفترة طويلة، وستتحول إلى صومال آخر».
المشاركون في «المجلس الأطلنطي» كانت وجهات نظرهم حول إيران وسوريا شديدة الاختلاف. رأت برباره سلافين، المسؤولة عن مركز جنوب آسيا في المجلس، أن إيران ترى أن الاتفاقية النووية هي المدخل لقضايا كثيرة. الاتفاقية تقوي الرئيس حسن روحاني وتدفع وزير الخارجية جواد ظريف إلى اتخاذ مبادرات جديدة. رفضت اتهام أميركا بأنها استسلمت في سبيل التوصل إلى اتفاق مع إيران. ليس من مصلحة أحد انهيار المحادثات، خصوصا إيران لأنها ستواجه مقاطعة جديدة، ولن يكون بمقدور الرئيس منع ذلك. قالت: رسائل أوباما لخامنئي لم تتضمن أي تنازلات، بل إن البلدين يواجهان عدوا واحدا هو «داعش»، وإنه أبلغ خامنئي أن العملية العسكرية ليست موجهة ضد الأسد. «في الأساس أوباما غير متحمس لتغيير النظام في سوريا، وإدارته لن تتخلص من نظام الأسد».
رد السفير فردريك هوف من مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في المجلس الأطلنطي والمستشار السابق لأوباما في الشأن السوري: «إذا كان الاتفاق النووي يضع روحاني وظريف محل قاسم سليماني في اتخاذ القرارات الإيرانية تجاه العراق وسوريا ولبنان، فإنني أرحب، لكن لا أعتقد أن أي اتفاق سيغير من التكتيكات السياسية الإيرانية».
عندما وصل النقاش إلى الأتراك تحدث مصطفى أكيول، الكاتب والصحافي التركي المعروف وسونير تشاغابتاي من «مؤسسة واشنطن للشرق الأدنى» الذي رأى أن الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط ثابتة لأن لها تقاليد حكم راسخة، «لست متفائلا بعلمانية الأنظمة العربية». شرح: «يجب أن نفهم أن الإسلام عاد بقوة إلى إيران وعاد بقوة إلى تركيا بسبب التهميش الذي أصابه من قبل الأنظمة السابقة».
عن «الربيع العربي» الذي لم يفهمه الغرب رأى كيف أن النظام انهار في تونس إنما ظلت الدولة، عكس ما حصل في ليبيا، مصر كادت تقع بالمشكلة ذاتها لكنها أنقذت نفسها. رأى أن الفرق بين تونس ومصر أن الأولى عملت على وضع الدستور، ومن ثم الدعوة إلى الانتخابات «كي لا يقرر الرابع مصير البلاد»، في مصر العكس: أجروا الانتخابات ثم كتبوا الدستور فأراد «الإخوان المسلمون» تغيير كل شروط اللعبة السياسية. انحاز الجيش للشعب وأنقذ الوضع.
عن إيران والسعودية، قال: «يتحامل الإيرانيون على السعودية لأنها لا تصغي لهم. هذه مشكلتهم أيضا مع تركيا ومع إسرائيل. المذهبية لا تشكل عقبة في إيران وكذلك الدين، كل ما تريده هو السيطرة على المنطقة. إذا تم التوقيع على اتفاق أميركي - إيراني ستتغير طبيعة علاقات كثيرة في المنطقة، وستعود تركيا إلى العزلة. خسرت تركيا لأنها راهنت على الحصان الخاسر، دعمت «الإخوان المسلمين». تتصرف بالنسبة إلى سوريا وكأن لديها استثمارات في ذلك البلد وتريد تغيير النظام. عكس إيران التي لديها فعلا استثمارات على الأرض، أبرزها «حزب الله» و«الحرس الثوري».
أما مصطفى أكيول فقال إن المجتمع التركي غير متحمس لـ«داعش» وأضاف: «إن الخليجيين غير متخوفين من النووي الإيراني، بل من تدخل إيران في شؤونهم الداخلية، خصوصا أن إيران مستعدة لأن تحارب حتى آخر عربي!».
ثلاثة أيام من نقاشات مكثفة. مشاريع كبيرة معلقة على ما قد يجري. أما ماذا سيجري؟ إقليميا ليس هناك أي اتفاق، ودوليا ليس هناك أي رؤية!