السوقية لا تكفي
مسؤول جمهوري كبير يعتبر أن سياسة بايدن "المتهوّرة" في أفغانستان تؤدّي إلى "كارثة هائلة ومتوقّعة ويمكن تفاديها" مسؤول عسكري أميركي يتوقع أن تعزل حركة طالبان كابول خلال 30 يوماً وإمكانية السيطرة عليها خلال 90 يوماً ارتفاع حصلية ضحايا حرائق الغابات في الجزائر إلى 65 بينهم 28 عسكريًّا مئات من عناصر قوات الأمن الأفغانية استسلموا لطالبان قرب قندوز وصول وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى المغرب وزير الداخلية الجزائري يؤكد أن الدولة ستتكفل بأضرار الحرائق وأولويتنا حماية المواطنين محافظ الغابات لولاية تيزي وزو في الجزائر يؤكد أن الحرائق التي اندلعت سببها عمل إجرامي وزير الداخلية الجزائري يعلن عن اندلاع 50 حريقا في نفس التوقيت من المستحيلات وسنباشر التحقيقات وزارة الدفاع الجزائرية تعلن عن وفاة 18 عسكريا خلال عملية إخماد الحرائق التي اندلعت بولايتي تيزي وزو وبجاية الحكومة الجزائرية تعلن ارتفاع عدد ضحايا حرائق الغابات إلى 42 شخصا بينهم 25 عسكريا
أخر الأخبار

السوقية لا تكفي

السوقية لا تكفي

 الجزائر اليوم -

السوقية لا تكفي

بقلم : مأمون فندي

أنا كنت في باريس، وحاجز على نفس الطيارة، وألغيت في آخر لحظة»، بماذا يمكن أن تصف شخصا يتحدث بهذه النرجسية العالية، وكأنه مركز الكون للتعليق على كارثة الطائرة المصرية التي سقطت في المتوسط وعلى متنها 66 روحا بشرية لديهم ذووهم من المكلومين؟ لا يهم كل هذا الموت والحزن على الضحايا؛ إذ مطلوب منا أن نحتفي بنجاة سيادته. هذا ليس قول رجل بسيط، بل كلام شخصية عامة يفترض أن تكون قدوة. وبماذا تصف ثقافة يظنها المتحدث تتقبل هذا النوع من العبارات السوقية؟؟ هل حضارتنا وصلت إلى قاع الانحطاط الثقافي، أم ما زال هناك دور أسفل يمكن أن نهبط إليه؟ عندما يتناسى شخص مأساة البشر وتتملكه نرجسية مفادها أن الشمس تدور حوله، وأن العالم لا يعنيه 66 روحا قضت في مياه المتوسط، وأن القصة هي أن فلانا ألغى رحلته في آخر لحظة؛ فنحن بلا شك أمام ثقافة مريضة تحتاج إلى نقاش جاد لتقويمها. ليس كافيا أن نصف هذا الحديث بـ«السوقية» (vulgar)، نحن أمام حالة «وحشي الكلام» كما يقول ابن المقفع. وصف هذا بكلام سوقي لم يعد كافيا.

المشكلة من وجهة نظري ليست في المتحدث، بل في المستهلك، فعندما يأمن شخص أن تعليقا كهذا سيجد قبولا في حضارة ما، فالمشكلة في تلك الحضارة المستهلكة لهذا النوع من نفايات الحديث، وليست مشكلة الشخص نفسه.

في الأمم الأخرى هناك اتفاق ضمني على مجموعة قيم حاكمة، لا يمكن للفرد تجاوزها، ويبقى في مأمن من التقريظ الاجتماعي والنقد، أما في ثقافتنا العربية فأستطيع القول: إنني فشلت في فهم القيم الحاكمة لثقافتنا. أعرف أن هناك من يصف هذا بالمبالغة أو جلد الذات، ولكن كنوع من التمرين الذهني أدعو القّراء إلى عّد القيم الخمس الحاكمة للثقافة العربية اليوم، أي ما النقاط الأخلاقية التي متى ما خرج الفرد عنها، أصبح كالجمل الأجرب وتلفظه الجماعة؟ هل هناك مثلا خمس أو ست قيم يمكن أن نقول عنها إنها المحددات الرئيسية لثقافتنا؟ أتمنى أن يجّرب وزراء الثقافة ومعهم القادة الاجتماعيون، التمرين الذهني نتحدث كثيرا بلغة دينية عن الحلال والحرام، الذي لم يعد ضميرا ذاتيا بقدر ما هو حلال وحرام اجتماعي، أي نفعل كذا وكذا في وجود الناس، ونفعل العكس في غيابهم. لم يعِد الناس يراقبون الله بقدر ما يراقب بعضهم بعضا. أما في حالة المثال الذي ذكرته في أول المقال، فقد وصل بعض منا لتجاهل رقابة الناس والذوق العام.

لم يعد هناك مجال في هذا المقال للحديث عّمن نحَر خروفين لنجاته من الطائرة، بسبب غلطة في حجز الطيران، أو الخبير العسكري الذي يقول إن أميركا أسقطت الطائرة «بالنبضة الكهرومغناطيسية»، فالمشكلة ليست في المتحدث، بقدر ما هي مشكلة إعلام سقط في مستنقع الجهل، ليردد هذه الأقاويل، أو يعّد ما هو مجرد هراء أنه رأي يستحق أن ينشر على العامة من الناس. هل من المبالغة أن نطلب محاكمة أصحاب الفضائيات ولو اجتماعيا، على كمية النفايات التي يصبونها على المجتمع كَّل يوم؟

إن استهداف طائرة مدنية من قبل دولة، أميركا أو غيرها، أمر يعّرض قادة هذه الدولة للمحاكمة، أو يخرجها من عالم الإنسانية. فالمذيع أو المذيعة التي تقبل رأيا مثل هذا وتعرضه على العامة، لا يمكن وصفه بالجهل فقط، بل بالغباء أيضا. نحتاج إلى نفضه حضارية لكي نزيل هذا «الوسخ» الذي علق بثقافتنا مؤخرا.

إن النشر على العامة في كل بلدان الدنيا له قواعد حاكمة، وهناك توقيتات محددة لما يمكن نشره خلال ساعات، حتى لا يتعرض الصغار إلى الاضطراب النفسي. وأي اضطراب في حالتنا!!

فلماذا لا نناقش في كل مؤتمراتنا عن الإعلام حالة التوحش، وليس فقط السوقية التي تسري في ثقافتنا كما النار في الهشيم؟ ولماذا لا تجبر جامعة الدول العربية أعضاءها على الالتزام بقوانين صارمة لعقاب المؤسسات الخارجة عن تلك القيم؟

لا يخلو يوم في أحاديث الغوغاء عندنا من التشدق بثوابت الأمة، فهل هناك من يخبرني ما هذه الثوابت في ظل تفشي السوقية ثقافًة، ووحشي الكلام أسلوَب حياة؟

في بداية ستينات القرن الماضي ساد الحديث عن «الإنسان الجديد» (The new man) المنوط به بناء الدولة الحديثة، إنسان متشبع بالقيم الجديدة لوجوده داخل دولة لا قبيلة. ترى ما القيم التي سلحت به دولنا الإنسان الجديد، إنسان ما بعد القبلية والقيم الخاصة المنغلقة، الإنسان الذي يؤمن أنه جزء من دولة وليس من مدرسة «أنا ومن بعدي الطوفان»؟

حضارتنا العربية اليوم وصلت لدرجة من الانحطاط الثقافي الذي يحتاج إلى نقاش جاد، وعندنا الكثير من العقول القادرة على رسم ملامح الخروج من هذا المستنقع، فقط نحتاج إلى رشد الدولة القادرة على وضع هذه العقول إلى جوار بعضها للحديث عن المخرج ورسم ملامح القيم الجديدة.

لدينا مئات المؤتمرات كل أسبوع تنفق عليها الدول الكثير، ولكن في معظم هذه المؤامرات يختلط الهزل بالجد فيفسده. نحتاج إلى عقول ترسم ملامح الخروج، وليس إلى موظفين وشلل تستغرق ساعات طوال في الحديث عن «لا شيء» (pure nonsense).

معيار اختيار المتحدثين عن هذه القضايا لا بد أن يتغير؛ كي نصل إلى مصاف الدول المتحضرة، فما نحن عليه من حال أمر جّد مخيف. إننا أمام لحظة انهيار حضاري، ومن لديه شك يعود ويقوم بتحليل محتوى لما كتب عن حادثة الطائرة المصرية مثالا، أو أي حادثة أخرى. ليس لدي شك في أن كثيرا من قادتنا لديهم النية
في الارتقاء بمجتمعاتنا، ولكن الأجهزة تبدو وكأنها قاصرة. لا يكفي أن نكرر كل يوم أن «أمورنا طيبة» وأن الأمة بخير ونحن ننحدر.

الثقافة العربية بوضعها الحالي تحتاج إلى منظومة قيمية حاكمة، وتحتاج أيضا إلى وقفة للخروج من عالم التوحش إلى عالم الحضارة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السوقية لا تكفي السوقية لا تكفي



GMT 22:50 2021 الإثنين ,05 إبريل / نيسان

منافسة أم حرب باردة؟

GMT 18:59 2021 الإثنين ,22 آذار/ مارس

هل أُغلقت أبواب واشنطن؟

GMT 23:34 2021 الإثنين ,15 آذار/ مارس

عشر سنوات من العقل المعطل

GMT 21:16 2021 الثلاثاء ,09 آذار/ مارس

جماعة «أزيدك من الشِّعر بيتاً»

GMT 14:18 2021 الإثنين ,01 آذار/ مارس

استيعاب إدارة بايدن

GMT 06:39 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

هل التوافق ممكن بين الدين والعلم؟

GMT 01:49 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نيكول سابا تُشارك في مسلسل "مذكرات عشيقة سابقة"

GMT 02:21 2018 الإثنين ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيسة وزراء رومانيا تبدأ زيارة رسمية إلى سلطنة عمان

GMT 08:13 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

23 صورة من إطلالات النجوم في مهرجان القاهرة السينمائي

GMT 01:04 2017 السبت ,07 تشرين الأول / أكتوبر

"روندا" مدينة فوق الصخور وروح الأندلس في إسبانيا

GMT 18:53 2021 الثلاثاء ,04 أيار / مايو

تعرف على أسعار كيا سبورتاج 2021 فى الإمارات

GMT 19:39 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

الأميركي بريسون ديشامبو يتقدم في "السباق إلى غولف دبي"

GMT 02:42 2018 الإثنين ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

"العرب اليوم" يكشف عن مطربي حفلات رأس السنة 2019

GMT 07:23 2018 الجمعة ,06 تموز / يوليو

تعرف على كيفية أداء صلاة خسوف القمر

GMT 07:43 2018 الجمعة ,11 أيار / مايو

أفضل 10 أماكن لقضاء العطلة الصيفية في فرنسا
 
Algeriatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

algeriatoday algeriatoday algeriatoday algeriatoday
algeriatoday algeriatoday algeriatoday
algeriatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
algeria, algeria, algeria