استطلاعات الرأي العام كافة ترجح فوز هيلاري كلينتون بالرئاسة الأميركية. بعضها يجعلها تتقدم على دونالد ترامب بثلاث عشرة نقطة أو أكثر، وبعضها يجعل الفرق بينهما 53 في المئة لها و45 في المئة له (بعض الناخبين لم يحدد موقفه بعد). حتى جورجيا التي لم تنتخب ديموقراطياً منذ 1992 أظهر استطلاع تقدم كلينتون فيها على ترامب بأربع نقاط مئوية.
كلينتون تتقدم على ترامب في أكبر ثلاث ولايات، كاليفورنيا ونيويورك وفلوريدا ولها السبق في ولايات شرق البلاد وغربها، وترامب يتقدم عليها في ولايات ما يسمّى «وسط الغرب» الأميركي حيث الصناعة والزراعة تعانيان وترامب يعِد الناس بـ «سمك في البحر» كما يقول المثل الشعبي.
الناخبون من الأقليات، مثل السود والمواطنين من أصول إسبانية، يؤيدون كلينتون بغالبية كبيرة، وهي أيضاً تحظى بتأييد النساء من البيض، إلا أن ترامب يتقدم عليها بين الناخبين البيض الذكور، ويحاول إستمالة الناخبين الجدد من الشباب.
ترامب دمر علاقاته مع أقليات كثيرة، فاقتراحه بناء سور مع المكسيك تدفع ثمنه المكسيك جعل أكثر من 80 في المئة من الناخبين أصحاب الأصول اللاتينية الأميركية يعلنون تأييدهم كلينتون. هو أيضاً استفز قطاعاً كبيراً من الأميركيين البيض بتأييده لوبي حمل السلاح الذي رد بتمويل دعايات تلفزيونية تؤيد المرشح الجمهوري.
قرأت إحصاءات تقول إن 78 في المئة من ادعاءات ترامب في خطبه الانتخابية كانت كاذبة، كما قرأت أن من أصل 158 معلومة رددها ترامب في حملته الانتخابية كانت 123 منها زائفة أو مضللة.
ما يهم العربي قارئ هذه السطور هو موقف ترامب من قضايا الشرق الأوسط، خصوصاً إسرائيل والقضية الفلسطينية. هو قال يوماً إنه «على الحياد» في موضوع عملية السلام، إلا أن الخطاب الذي ألقي باسمه في المؤتمر السنوي للوبي اليهود (ايباك) كان إسرائيلياً خالصاً كتبه له أنصار إسرائيل. وقرأت أنه لا يعرف من السياسة الخارجية سوى ما له علاقة بإدارته انتخابات ملكة جمال الكون.
يبدو أن ترامب يعمل بنصح محاميه جاسون غرينبلات، وهو يهودي متدين يلبس قبعة (ايرمولكا) على رأسه أجرت له مجلة «بوليتيكو» مقابلة طويلة أخيراً يظهر منها أنه لا يعرف سوى إسرائيل التي زارها وكتب عنها، وهو يؤيدها تأييداً كاملاً. أيضاً من مستشاريه في الشرق الأوسط جاريد كوشنر، زوج ابنته وهو يهودي أرثوذكسي، قرأت أنه كتب لترامب مواقف وآراء كلها مع إسرائيل.
باختصار، موقف ترامب من الشرق الأوسط «إسرائيلي» حتى لو أنكر ذلك. غير أنني أعود وأقول إن فوزه بالرئاسة صعب وهو ينتقل من خطأ الى خطأ أكبر منه، ويزداد الخطأ وهو يحاول أن «يشرح» ما قال أو يحول الأنظار عنه الى قضية خاطئة أخرى.
هيلاري كيلنتون، في المقابل، ليست الأم تيريزا، إلا أنها بالتأكيد تعرف عن السياسة الخارجية وما ينفع بلدها وما يضره أكثر مما يعرف ترامب لو عاش مئة سنة أخرى ركز فيها فقط على السياسة الخارجية. هي أيضاً أعلنت تأييدها إسرائيل، إلا أن هذا التأييد ليس أعمى، بل ينطلق من واقع السياسة الداخلية الأميركية فالكونغرس يؤيد إسرائيل تأييداً كاملاً معلناً، وأعضاء كثيرون تمولهم جماعات تدين بالولاء لإسرائيل، والنتيجة أن الكونغرس طالب أخيراً بزيادة المعونة الاقتصادية والعسكرية الى إسرائيل فوق ما طلبت الإدارة. وهناك حديث عن برامج صواريخ جديدة من الولايات المتحدة، كما أن شبكة الدفاع الصاروخية ضد هجمات «حماس» كلها سُرِق من الولايات المتحدة بتواطؤ رسمي أميركي
أسمع أن باراك أوباما سيعلن موقفاً من عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، ومشروع الدولتين في خطابه الأخير في الأمم المتحدة. ربما فعل ذلك، إلا أنني سأصدقه إذا سمعته، فشهرة اوباما عندي حتى الآن هي أنه جبان يتجنب المواجهة ويخاف من الكونغرس الذي عارض كل قرار له تقريباً على امتداد ثماني سنوات، فلم ينجح قرار إلا باستعمال الفيتو الرئاسي الذي يستطيع الكونغرس إلغاءه بغالبية الثلثين وهي ليست متوافرة للحزب الجمهوري.
انتخابات الرئاسة بعد ثلاثة أشهر، والحزب الديمقراطي في صف موحد وراء هيلاري كلينتون، باستثناء بعض الغلاة من أنصار بيرني ساندرز، وهم قلّة. الحزب الجمهوري منقسم على نفسه، والى درجة أن بعض زعمائه أعلنوا العزم على انتخاب كلينتون للرئاسة. وفي حين أن أشياء كثيرة قد تطرأ وتغير المعادلة الحالية بين الحزبين، فإنني لا أرى شيئاً من الأهمية أن يجعل دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة.