جهاد الخازن
في الولايات المتحدة شعب من العالم الأول وكونغرس من العالم الثالث... أو الثلاثين. أكتب صباح الأربعاء، ولا أعرف كيف ستحل أزمة سقف الدَين الاميركي، وهل يُرفع السقف فلا تتخلف عن تسديد ديونها أو يبقى ويواجه العالم خطر أزمة اقتصادية أخرى. ما أعرف هو أن مجلس النواب الاميركي دخل مدخلاً لا يعرف الخروج منه وهو يتحدى إدارة اوباما، وأدخل أميركا والعالم معه، فننتظر لنرى ما سيحدث اليوم وهو المهلة الأخيرة لرفع سقف الدين الحالي.
قبل أيام كان الاجتماع السنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن، فلم يبقَ مسؤول حكومي من حول العالم أو رئيس بنك أو شركة كبرى إلا وحذر الاميركيين من إستمرار الأزمة. لا أحد إطلاقاً يفهم في «البزنس» حول العالم، بمن في ذلك رئيسة صندوق النقد الفرنسية كريستين لاغارد، إلا وحذر من العاقبة غير أن الحزب الجمهوري، وتحديداً يمين الحزب من متطرفين دينياً وسياسياً، ماضٍ في غيّه ولو خربت الدنيا.
أشعر أحياناً بأن الجنوبيين في الولايات المتحدة، خصوصاً جماعة حزام التوراة، يحاولون الانتقام من الشماليين لخسارتهم الحرب الأهلية سنة 1865 التي أنهت الرق. غير أن الموضوع أكبر من هذا وأعمق وأوسع، فاليمين الأميركي الذي أيّد حروب بوش الابن ما تسبب في الأزمة المالية العالمية سنة 2008 لا يريد الاعتراف بالخسارة، بل يحاول أن يحمّل الرئيس التالي، باراك أوباما، المسؤولية عنها، فلم يبق إلا أن يقول اليمين إن أوباما مسؤول عن قتل مليون عربي ومسلم، ومعهم أكثر من ستة آلاف شاب أميركي وشابة، كما هو «مسؤول» عن أزمات بوش الابن الأخرى.
جريمة القـتل، قتل النـاس من أي دين أو إثنية تبقى الأهم، غير أن الجانب الاقتصادي مهم أيضاً وواضح، فقد كانت الولايات المتحدة وحدها تمثل ثلث اقتصاد العالم كله، والآن أصبحت تمثل ربعه، ولن تمضي سـنوات قليلة حتى تسـبقها الـصـين لتـمثل أكبر اقتصاد في العالم.
لا أكتـب شـيئاً هنا لا يعرفه زعماء الـحزب الجـمهوري، فهم يعرفون أكثر، إلا أنهم لا يـتراجعون، مـع أن كـل إستـطلاع أخـير للرأي العام الاميـركي يـحمّل الجــمهـورييـن المـسـؤولـية، ما يـعنـي أن يـدفـعــوا الثـمن في الانتخابات النصفية بعـد حـوالى سـنة من الآن. طـبعاً أمـور كثيرة ستحدث خلال سـنة، وسـتـسـتجد قـضايا إلا أنني لا أعـتقـد أن الـمتـطرفين من الجمهـوريين سيضحكون على المواطن الاميركي ويخدعونه مرة ثانية، فالشعب الاميركي، كما أسلفت، عالم أول إلا أنه إختار أن يمثله كونغرس من نوع العالم الثالث، ودفع الثمن ولا يزال يدفع كل يوم.
أقول للقارئ العربي على سبـيل التوضـيح إن الجمهورييـن فـازوا بغالبية من الـمقاعد في مـجلـس النواب سنة 2012، بـسـبب تـقسـيم الدوائر، إلا أن الحزب الديموقراطي سجل غالبية واضحة بيـن الناخبـين في تلك الانتخابات. غير أن النتيجة تذكّرني بسرقة جورج بوش الابن إنتخابات سنة ألفين عندما انتزع المرشح الديموقراطي آل غـور غالبـية نصف مليون صوت في إنتخابات الرئاسة إلا أن بوش الابـن سـرق الانتـخابات كلـها عبر سرقة أصوات ممثلي فلـوريدا الى الندوة الانتخابية.
قد لا يكون الثمن هذه المرة مليون قتيل من العرب والمسلمين، إلا أنه سيكون حتماً قصم ظهر الاقتصاد الاميركي وإنهاك الاقتصاد العالمي إذا لم يتراجع الجمهوريون في اللحظة الأخيرة.
مرة أخرى أكتب صباح الأربعاء بتوقيت لندن، قبل أن تستفيق واشنطن، وهي قد تستفيق اليوم إلا أنها لن تستفيق من سبات أهل الكهف. وأرى أن الجمهوريين يسيرون في عملية إنتحارية، ثم أرى أنهم لن يوقعوا إصابات إلا في صفوفهم.