جهاد الخازن
عدت الى لندن من سفر متواصل ووجدت في انتظاري عدداً من الكتب اخترت منها خمسة تستحق القراءة أعرضها على القراء اليوم أملاً بأن أشجعهم على قراءتها.
الصديق نمير قيردار، أحد أنجح رجال مصارف الاستثمار في العالم، وهو جمع سيرة حياته في كتاب بالانكليزية عنوانه «سعياً وراء الإنجاز»، والكلمة الأخيرة بمعنى النجاح أو تحقيق الآمال. ومع أنني أعرف نميراً وأسرته منذ سنوات وعقود، فقد كانت هناك معلومات جديدة عليّ.
نمير قيردار وُلِد في كركوك لأسرة من أصول تركمانية، ومن أشراف المدينة، فقد كان من الأسرة رؤساء بلدية في كركوك ونواب في البرلمان التركي. وإذا كان لي أن أصف نميراً بكلمة واحدة فهي أنه هاشمي، بدأ هاشمياً وازداد قناعة بموقفه وهو يرى الكوارث المتتالية التي أصابت العراق بعد انقلاب 1958، والفصل عن الانقلاب يحمل عنواناً هو «الكارثة».
ربما كان الانقلاب وراء النجاح الذي حققه نمير قيردار في حياته العملية، فهو كان يدرس في كلية روبرت في استانبول، ويُفترض أن يعود الى بلاده بعد الدراسة، إلا أنه ذهب بسبب الانقلاب ليدرس في الولايات المتحدة ويتخرج في جامعاتها ويعمل فيها، ثم يعود مع بنك «تشيس» الى الخليج، وينفصل عنه بعد ذلك ليؤسس بنك «انفستكورب» الذي أعتبره أنجح بنك استثمار عربي خاص حتى الآن.
مؤسس البنك أراد له الشفافية في منطقة لا تمارسها، وهذه الشفافية موجودة في فصول الكتاب، وهو يتحدث عن المساهمين بأسمائهم. فقد كانت الفكرة أن تقتصر المساهمة على 250 ألف دولار لكل واحد منهم، أو نصف واحد في المئة من رأس المال، حتى لا يسيطر أي طرف على البنك، وهذا مع منح الإدارة حصة في الملكية ليكون أركانها شركاء لا موظفين.
نمير قيردار يبقى هاشمياً، وهو قرب نهاية الكتاب يقترح مخرجاً للعراق من أزماته بإحياء وحدة هاشمية مع الأردن، ما يذكرني بكتابه السابق «إنقاذ العراق».
ربما أبقى مع العراق وأنا أنتقل الى الكتاب «تاريخ عرب الأهواز» من تأليف الصديق عبد النبي القيم، فقد وجدت وأنا طالب تاريخ أنني لا أعرف إلا أقل القليل عن تاريخ عربستان أو الأهواز.
الكتاب موثق جداً، وأساسه قرار المؤلف أن يكتب دراسة في 15 صفحة لتصحيح أخطاء في الكتاب «تاريخ بانصد ساله ي خوزستان» لأحمد كسروى، إلا أنه انتهى بتاريخ جديد في 505 صفحات يبدأ بحكم محمد بن فلاح المشعشعي الذي هزم الجيش التيموري سنة 845 هجرية، ويعود نسَبه الى الإمام موسى بن جعفر. المولى علي، الإبن الأكبر لمحمد، انتزع المُلك من أبيه وادعى أن روح الإمام علي حلَّت فيه، وعجز أبوه عن إصلاحه وهو يغزو العتبات المقدسة وينهبها ثم ينهب مال الناس، وينتهي مقتولاً، ليعود الحكم لأبيه فيحاول إصلاح ما خرّب الإبن. وقتل الشاه اسماعيل آخر حكام المشعشعيين بعد أن اختلفوا مع الصفويين.
أخونا عبد النبي يشرح حكم الكعبيين في الأهواز، وهم من قبيلة كعب ونسبها العربي ثابت، ثم جاء البوكاسب، وأصلهم من كعب، فكان مرداو شيخ المحمرة، وخلفه إبنه الحاج جابر الذي انتقل الحكم منه الى إبنه مِزْعِل، وهذا اضطهد أهل المنطقة وسرق مالهم وزاد الضرائب، فقُتِل وانتقل الحكم الى أخيه خزعل حيث ينتهي الكتاب.
لم أكن أعرف من تاريخ الأهواز غير الشيخ خزعل بعد أن حدثني رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد، رحمه الله، عنه يوماً. ولعل عبد النبي القيم في طبعة قادمة من الكتاب يزيد تاريخ آخر الحكام العرب، فهو نُقل من المحمرة الى بغداد بخدعة ووضِع تحت الإقامة الجبرية في قصره في طهران، ويقول أفراد أسرته الذين أعرفهم من أحفاد وأبناء الأحفاد أنه قتِل خنقاً سنة 1936 بمخدة وُضعت على رأسه بعد أن كان أقعده المرض، وتزامن قتله مع اكتشاف النفط ورغبة الحكومة الايرانية في الاستئثار به.
أكمل غداً بثلاثة كتب وجدت بعد قراءتها أنها تستحق أن أعرضها على القراء.