جهاد الخازن
بعض القراء يفضّل المقالات الخفيفة والأمة تحترق أو هو يفضلها لأن الأمة تحترق، فأنزل عند رغبته.
رأيت بين لندن وجنوب فرنسا هذا الصيف سيارات فخمة كثيرة تحمل أرقاماً عربية، أكثرها سعودي أو قطري، وكان بينها سيارات وقفت في أماكن ممنوعة في لندن، فقيّد أحد الإطارات بـ «كلبشة» معدنية لا تفك إلا بعد دفع الغرامة.
في جنوب فرنسا، رأيت في «كان» سيارتين سعوديتين، واحدة رقمها هـ هـ هـ 111 والآخر ق ل ق 999، وسيارة كتب على رقمها بالإنكليزية «رويال 1» في موناكو.
قرأت ق ل ق على أنها قلق ولم أدرِ ماذا يقلق صاحبها، فهو على ما يبدو صاحب قدرات واسعة. مالك السيارة الأخرى كان أصدق مع نفسه وهو يضحك (هـ هـ هـ) لحسن حظه.
يقولون بالإنكليزية: إذا كان عندك (ما تفاخر به) فاعرضه. وهناك أغنية من تأليف ذي بروديوسرز تبدأ بالقول:
إذا كان عندك اعرضه/ تقدم واكشف عنه/ الناس تقول التواضع فضيلة/ ولكن في مسرح (الحياة) التواضع يؤذيك.
أجد الكلام السابق غير مسؤول، فالتواضع حتماً فضيلة، ثم إننا نعيش في عصر الأكيد فيه شيئان لا ثالث لهما هما «الموت والضرائب» كما تقول عبارة أخرى بالإنكليزية، وإذا كان إنسان يملك فعلاً ما يستطيع أن يفاخر به وما يستحق العرض، فإنه يغامر بمصلحة الضرائب تقرع بابه في اليوم التالي لتشاركه ما يملك.
في فرنسا الكلاب تنافس السيارات الفخمة، فالفرنسيون يحبونها وأي أسرة قادرة تملك كلباً أو أكثر. وتذكرت وأنا أحاول أن أتجنب دوس فضلاتها في الشارع قول المدام ستايل «كلما زادت معرفتي بالرجال زادت محبتي للكلاب». هي آن لويز جيرمين دي ستايل، مفكرة وكاتبة فرنسية من أصل سويسري ولدت عام 1766 وتوفيت عام 1817، أي أنها شهدت الثورة الفرنسية وصعود نابوليون وسقوطه. عندما عدت إلى المراجع وجدت أن المدام دي ستايل لا تحب أشياء كثيرة، فهي تقول: على الإنسان أن يختار في حياته بين الملل والعذاب. ورأيها الآخر: الرجال يخطئون لأنهم أنانيون. النساء يخطئن لأنهن ضعيفات.
صيفي قطعه في تموز (يوليو) الانتخابات البرلمانية في الكويت، وفي آب (أغسطس) مرض قريبة فقضيت أياماً على باب المستشفى. وطبعاً كنت لا أغيب عن لندن حتى أعود إلى العمل. ومع ذلك لا أشكو.
سجلت للقارئ بعض المشاهدات قبل شهر، ومع نهاية آب والصيف أعود إلى القارئ ببعض آخر أملاً بإبعاده عن نكد السياسة العربية.
أقول للقارئ المحدود الدخل الذي لا يستطيع أن يزور سان تروبيه إن سمعتها مستحقة كمنتجع سياحي عالمي، إلا أن هناك جانباً آخر لها. هي ملأى في الصيف بنساء جميلات في أقل قدر من الثياب ورجال وأسر، مع شوارع عدة للتسوق وفنادق فخمة ومطاعم، ويخوت بعضها أكبر من أن يتسع له ميناؤها. هذا معروف، غير أنني وجدت أنها الشيء نفسه يوماً بعد يوم، والإنسان العادي لا بد من أن يمل من التكرار، وأرى أنها تستحق زيارة ليومين أو ثلاثة، فكل يوم فيها يشبه سابقه.
وأترك السيارات والكلاب وسان تروبيه لأحكي للقراء قصة طير، فقد كنت أسير قرب البحر عندما وجدت طائراً بحرياً من نوع النورس يسير إلى جانبي ولا يطير. حملته بيدي فلم يقاوم، وقدرت أنه اصطدم بزجاج أحد البيوت في المنطقة وداخ، وعدت به إلى البيت لتجتمع حوله العائلة وضيوفنا.
وضعنا النورس في «دوش» وأطعمناه وسقيناه. وقلت للبنت العاملة أن تخرجه إلى الحديقة في اليوم التالي.
وقفت أراقبه وهو يمشي متثاقلاً في البداية ثم يرفرف بجناحيه ويطير مبتعداً كأن شيئاً لم يكن، ومن دون أن أسمع منه كلمة «شكراً».
يقال إن القديس فرنسيس كان يعظ الطيور، فكان هناك التي قالت إنه لو كان يحب الطيور لوجب عليه أن يعظ القطط.
نقلا عن جريدة الحياة